(وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) [الحجّ : الآية ٧٣]. نصب على الحال كأنه قال : يستحيل أن يخلقوا الذباب حال اجتماعهم فكيف حال انفرادهم؟.
(والثاني) : أن قوله وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه كأنه سبحانه قال : أترك أمر الخلق والإيجاد ، وأتكلم فيما هو أسهل منه ، فإن الذباب إن تسلب شيئا منهما فهي لا تقدر على استنقاذ ذلك الشيء من الذباب.
(واعلم) أن الدلالة الأولى صالحة لأن يتمسك بها في نفي كون المسيح والملائكة آلهة ، أما الثانية فلا ، فإن قيل هذا الاستدلال إما أن يكون لنفي كون الأوثان خالقة عالمة حية مدبرة أو لنفي كونها مستحقة للتعظيم.
والأول فاسد لأن نفي كونها كذلك معلوم بالضرورة ، فأي فائدة في إقامة الدلالة عليه.
وأما الثاني : فهذه الدلالة لا تفيده ؛ لأنه لا يلزم من نفي كونها حية أن لا تكون معظمة فإن جهات التعظيم مختلفة فالقوم كانوا يعتقدون فيها أنها طلسمات موضوعة على صورة الكوكب ، أو أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين ، فالجواب إما كونها طلسمات موضوعة على الكواكب بحيث يحصل منها الإضرار والنفع فهو يبطل بهذه الدلالة فإنها لما لم تنفع نفسها في هذا القدر ، وهو تخليص النفس عن الذبابة ، فلأن لا تنفع غيرها أولى ، وأما كونها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمتين ، فقد تقرر في العقل أن تعظيم غير الله تعالى ينبغي أن يكون أقل من تعظيم الله تعالى ، والقوم كانوا يعظمونها غاية التعظيم ، وحينئذ كان يلزم التسوية بينهما وبين الخالق سبحانه في التعظيم فمن هاهنا صاروا مستوجبين للذم والملام.
وأما قوله تعالى : (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحجّ : الآية ٧٣]. فالمراد منه الصنم والذباب ، فالصنم كالطالب من حيث إنه لو طلب أن يخلقه ويستنقذ منه ما استلبه لعجز عنه ، والذباب بمنزلة المطلوب ، وبيان خلق الذباب هو أنه تعالى خلقها لها جناحان غشائيان يميز أنها ومن هذا القسم الذباب والناموس ونحوهما ، وها هي الأوصاف الرئيسة التي تميزها فرأسها محمول على ذنيب قصير دقيق جدا يسمح لها بأن تفعل حركات تذبذبية بحيث يمكنها أن تدبر وجهها المتجه نحو الصدر عادة إلى جهة الجزء العلوي من الظهر ، وعيناها كبيرتان جدا بالنسبة لجسمها ، وموضوعتان على جانبي الرأس ، والحشرات ذات الجناحين كثيرة العدد ، ويمكن تصور شكلها العام بالتأمل في ذبابة ، وهي الذباب المعروف وشعرات الخيل والناموس والذباب الطفيلي ، ومنها الحشرات ذات الأجنحة الكيسية ، وهي الذراريح والدبان الهندي.