فمن ذلك تحدث زيادة في القوة العضلية ، وجميع خلايا هذا الجوهر مستطرقة لبعضها ، ومغشاة بغشاء رقيق جدا ، وممتلئة بعصير نخاعي ، وهذا الجوهر الإسفنجي ينتشر ، ثم يتقارب في الجهة المتوسطة للعظام فينتفخ فيها ، ويكون في القناة النخاعية من الجوهر المندمج الجوهر الثالث الذي هو النسيج الشبكي ، ومنفعته أنه يثبت الأنابيب الغشائية المحتوية على النخاع ، وهذه الجواهر الثلاثة مماثلة لبعضها في جميع الجهات.
«في بيان الانتصاب»
الانتصاب : هو الفعل الذي به يحفظ الإنسان أجزاء جسمه المختلفة على الثبوت ، ويمنعها من أن تنثني بسب ثقلها على بعضها ، وهذه الحالة يكون فيها الجسم غير متحرك ، لكن قواه باقية ، ومن حيث إن الجسم البشري ليس كله مكونا من قطعة واحدة ، بل جعله تعالى من جملة قطع تتحرك على بعضها ، وإن هذه القطع لا يمكن أن يبقى على حالة الموازنة بواسطة ثقلها ، بل لا بد وأن تنقبض العضلات المتجهة من جهة إلى أخرى ، فالانتصاب ليس إلا فعلا عضليا قويا معقوبا بالتعب والانتصاب هو حالة الاستقامة الحاصلة للجسم حين ما يكون القدمان مرتكزين على سطح ثابت ، والشروط المهمة لهذه الحالة موجودة في تكوين ، وبنية جملة أجزائه ككون العمود الفقاري ذا شكل هرمي ، وتقوسات متعاقبة في أجزائه ، وككون الحوض متمددا ، والفخذين متباعدين عن بعضهما بسبب تقوس أعناق عظامهما والقدمان ، متمدّدان عريضان ، ومتصلان بالساق اتصالا على هيئة زاوية قائمة وغير ذلك ، والعمود الفقاري بتكونه من الأجزاء المختلفة يكون بمنزلة رافعة الانتصاب العظيمة ، فبميل الرأس إلى الإمام ، وبانكباب الأطراف العليا والأحشاء الصدرية والبطنية على الجزء المقدم للعمود الفقاري تحصل المقاومة المعتادة دائما القوة تكون بالعضلات الباسطة للجذع ، ونقطة الارتكاز كائنة في مفصل الحاملة ، وفي مفاصل بقية الفقرات والحوض والأطراف السفلى ، ثم إن الانتصاب يكون محفوظا إذا كان خط التثاقل مارا باستقامة من وسط تقوسات كالعمود الفقاري ، وكان حوض الأطراف السفلى ساقطتين في المسافة الفاصلة بين القدمين المسماة بقاعدة الحفظ ، وأما متى بعد الخط المتثاقل عن هذا الاتجاه فلا بد حصول السقوط ، لكن يمكن تداركه بموازنة الأطراف العليا ، وبانقباض العضلات ، ولا يمكن تداركه إذا تباعد هذا الخط عن اتجاهه العمودي تباعدا خارجا عن الحد ، وكانت القوة التي بها يقتدر على رده غير كافية ، وسهولة انتصاب القامة الحاصلة ومع المشي على القدمين يتأكد بها فضل الإنسان على سائر الحيوانات ؛ لأنه يكتسب بسبب ارتفاع حواسه واتجاهها إلى الأمام مكاسب شتى ، ويستعمل أطرافه العليا فيما له فيه نفع من الصنائع ، وأما الأحوال المعتادة التي لا يتحرك فيها