السبات النوم شبه الغشي يقال : سبت المريض هو مسبوب. وقال أبو عبيدة : السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت. وهذا القول أيضا ضعيف ؛ لأن الغشي هاهنا إن كان النوم فيعود الإشكال ، وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل ؛ لأنه ليس كل نوم كذلك ؛ ولأنه مرض ، فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم. (ثالثها) : أن السبب في أصل اللغة هو القطع يقال : سبت الرجل رأسه يسبته سبتا إذا حلق شعره. وقال ابن الأعرابي : في قوله : (سُباتاً) [الفرقان : الآية ٤٧]. أي قطعا ، ثم عندي هذا يحتمل وجوها : (الأول) : أن يكون المعنى وجعلنا نومكم نوما متقطعا لا دائما ، فإن النوم بمقدار الحاجة أنفع الأشياء ، أما دوامه فمن أضر الأشياء ، فلما كان انقطاعه نعمة عظيمة لا جرم ذكره الله تعالى في معرض الإنعام. (الثاني) : إن الإنسان إذا تعب ثم نام فذلك النوم يزيل عنه ذلك التعب ، فسميت تلك الإزالة سبتا وقطعا ، وهذا هو المراد من قول ابن قتيبة : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٩) [النّبإ : الآية ٩]. أي راحة ، وليس غرضه منه أن السبات اسم للراحة ، بل المقصود أن النوم يقطع التعب ويزيله ، فحينئذ تحصل الراحة (الثالث) : قال المبرد (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٩) [النّبإ : الآية ٩] أي جعلناه نوما خفيفا يمكنكم دفعه وقطعه تقول العرب : رجل مسبوب إذا كان النوم يقاتله ، وهو يدفعه كأنه قيل : وجعلنا نومكم نوما لطيفا. فدفعه ، وما جعلناه غشيا مستوليا عليكم ، فإن ذلك من الأمراض الشديدة ، وهذه الوجوه كلها صحيحة. (ورابعها) : قوله تعالى بعده : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) (١٠) [النّبإ : الآية ١٠]. قال القفال : أصل اللباس هو الشيء الذي يلبسه الإنسان ، ويتغطى به ، فيكون ذلك مغطيا ، فلما كان الليل يغشى الناس بظلمته فيغطيهم جعله تعالى لباسا ؛ ولهذا السبب سمي الليل لباسا على وجه المجاز ، والمراد كون الليل ساترا لهم ، وأما وجه النعمة في ذلك فهو أن ظلمة الليل تصح فيها النومة أكثر من النهار أي الضوء قال المتنبي :
وكم لظلام الليل عندي من يد |
|
تخبر أن المانوية تكذب |
وأيضا فكما أن الإنسان بسبب الضوء يزداد جماله ، وتتكامل قوته ويندفع عنه أذى الترهل وضعف القوة ، فكذا بلباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم والراحة يزيد في جمال الإنسان وفي طراوة أعضائه وفي تكامل قواه الحسية والحركية ، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني ، وأذى الأفكار الموحشة النفسانية ، فإن المريض إذا نام الليل وجد الخفة العظيمة ، ونورد هنا ما يضر وينفع على سبيل البسط فيما يتعلق بالنوم فنقول : الأرق يمكن أن يعتبر كحالة جهد وإسراف لأصلي الإحساس والحركة فإن هذين الأصلين لو لا طول مدة الراحة المعوضة لما ينقص منهما لفقدا أسرها من حيث إن ضربات القلب تسرع في المساء عن