ومزمنة ، فالدائمة هي الأولى وأما الحادة فالتولّعات المفرحة متى كانت حادة شديدة جدا كانت إقامتها قليلة ، وإن وصلت لحالة الإفراط أمكن أن تكون مضرة كما قيل ، ومتى كانت قليلة الشدة كانت إقامتها أزيد ولا ينشأ عنها إلا نتائج مفيدة ، والتولعات المحزنة سواء كانت حادة أو مزمنة يحصل منها في الجسم تشوشات لا تحصى ، فمتى كانت حادة شديدة نشأ أمراض حادة ، وربما نسب إليها موت الفجأة ، ومتى كانت مزمنة نشأ عنها أمراض هازلة وآفات مزمنة ، فالغضب الشديد مثلا ينشأ عنه السكتة بغتة ، والحزن الطويل ينشأ عنه مرض في القلب ، وأما الرابع وهو تأثير التولعات باعتبار حصول بعضها عقب بعض كخروج الكافر قهرا ، وكالفرح إذا وقع عقب الحزن ، والمنع إذا وقع عقب الأمل أو عكس ذلك ، فإن التأثر يكون أشد منه إذا وقع ذلك حال خلو النفس ، وأما قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) [الشّمس : الآية ٩]. فعلم أن قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومقاتل والكلبي : أن المعنى قد أفلحت وسعدت نفس زكاها الله تعالى ، وأصلحها من الكفر والعناد وطهرها من التولعات الخارجة عن الطاعة ، والمعنى وفقها للطاعة هذا آخر كلام الواحدي ، وهو تام وقد ذكرنا أن الآيات الثلاث ذكرت للدلالة على كونه سبحانه مديدا للأجسام العلوية والسفلية البسيطة والمركبة فهاهنا لم يبق شيء مما في عالم المحسوسات إلا ، وقد ثبت بمقتضى ذلك التنبيه أنه واقع بتخليقه وتدبيره بقي شيء واحد يختلج في الأفئدة أنه هل هو بقضائه وقدره ، وهو الأفعال الحيوانية الاختيارية فنبه سبحانه بقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) [الشّمس : الآية ٨]. على أن ذلك أيضا منه وبقضائه وقدره ، وحين إذا ثبت أن كل ما سواه فهو واقع بقضائه وقدره وداخل تحت إيجاده وتصرفه ثم الذي يدل عقلا على أن المراد من قوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) [الشّمس : الآية ٨]. هو الخذلان والتوفيق ما ذكرنا مرارا : أن الأفعال الاختيارية موقوفة على حصول الاختيارات ، فحصولها عن كان لا عن فاعل ، فقد استغنى المحدث عن الفاعل ، وفيه نفي الصانع ، وإن كان عن فاعل هو العبد لزم التسلسل ، وإن كان عن الله فهو المقصود ، وأيضا فليجرب العاقل نفسه ، فإنه ربما كان الإنسان غافلا عن شيء فتقع صورته في فؤاده تلك الصورة في القلب ميل إليه ، ويترتب على ذلك حركة الأعضاء وصدور وفقة ويترتب الفعل ، على وقوعه وذلك يفيد القطع بأن المراد من قوله : (فَأَلْهَمَها) [الشّمس : الآية ٨]. ما ذكرناه لا ما ذكره المعتزلة.
«مسألة في بيان التزكية» :
اعلم أن التزكية عبارة عن التطهير أو عن الإنماء ، وفي الآية قولان : (أحدهما) : أنه قد