إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها ، فقيل له : هو بمكة فخرج الزنديق إلى مكة ، ونحن مع أبي عبد الله عليهالسلام ، فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله عليهالسلام في الطواف فضرب كتفه كتف أبي عبد الله عليهالسلام ، فقال له أبو عبد الله جعفر عليهالسلام : ما اسمك؟ قال : اسمي عبد الملك ، قال : فما كنيتك؟ قال : أبو عبد الله ، قال : فمن الملك الذي أنت له عبد ، أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض؟! وأخبرني عن ابنك أعبد إله السماء؟ أم عبد إله الأرض؟! فسكت ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : قل ما شئت تخصم ، قال هشام بن الحكم : قلت للزنديق : أما ترد عليه؟! فقبح قولي ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إذا فرغت من الطواف فأتنا ، فلما فرغ أبو عبد الله عليهالسلام أتاه الزنديق ، فقعد بين يديه ، ونحن مجتمعون عنده ، فقال للزنديق : أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟! قال : نعم ، قال : فدخلت تحتها؟! قال : لا ، قال : فما يدريك بما تحتها؟! قال : لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : فالظن عجز ما لم تستيقن ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : فصعدت السماء؟! قال : لا ، قال : فتدري ما فيها؟! قال : لا ، قال : فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟! قال : لا ، قال : فعجبا لك ، لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد السماء ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهن (١) وأنت جاحد ما فيهن ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! (٢) فقال الزنديق : ما كلمني بهذا أحد غيرك ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : فأنت في شك من ذلك ، فلعل هو أو لعل ليس هو ، قال الزنديق : ولعل ذاك ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ، فلا حجة للجاهل على العالم ، يا أخا أهل مصر تفهم عني ، فإنا لا نشك في
__________________
١ ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) ( ولم تجز هنالك فتعرف ما خلقهن ).
٢ ـ هذا نظير قوله تعالى : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) فإن العقل لا يجوز أن ينكر الإنسان ما لا يعلم حتى يعلم نفيه كما لا يجوز أن يقبله حتى يعلم إثباته ، قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) ، فلذا قال عليهالسلام : فلعل هو أو لعل ليس هو ، فالأمر في بقعة الامكان ما لم يعلم نفيه أو ثبوته.