الحمص ، والعدس ، فلما غشين القوم أرسلناها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وليس كل قوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاءوا منه ويتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، ونفيل ينظر إليهم من بعض الجبال وفي ذلك يقول نفيل :
فإنك ما رأيت ولن تراه |
|
لدى حين المحصب ما رأينا |
حمدت الله إذ أبصرت طيرا |
|
وحصب حجارة تلقى علينا |
وكلهم يسائل عن نفيل |
|
كأن عليّ للحبشان دينا |
وخرج القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون في كل منهل ، وبعث الله على أبرهة داء في جسده ، فجعل تتساقط أنامله كلما سقطت أنملة تبعتها مدة من قيح ، ودم ، فانتهى إلى صنعاء ، وهو مثل فرخ الطّير ، فيمن بقي من أصحابه ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، ثم هلك قال الواقدي : وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم ، والفيل الآخر شجعوا ، فحصبوا أي رموا بالحصباء ، وقال بعضهم انفلت أبو يكسوم وزير أبرهة ، وتبعه طير ، فحلّق فوق رأسه حتى بلغ النّجاشي فقص عليه القصة ، فلما أنهاها وقع عليه حجر من ذلك الطير ، فخر ميتا بين يدي النجاشي قال أمية بن أبي الصّلت :
إن آيات ربنا ساطعات |
|
ما يماري فيهن إلا الكفور |
حبس الفيل بالمغمس حتى |
|
ظل يعوي كأنه معقور |
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة يستطعمان الناس ، وزعم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل ، أن فئة من قريش أججوا نارا حين خرجوا تجارا إلى أرض النّجاشي ، فدنوا من ساحل البحر ، وثم بيعة للنّصارى تسميها قريش الهيكل ، فنزلوا فأججوا النّار واشتووا ، فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف ، فهاجت الريح ، فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصّريخ إلى النّجاشي فأسف غضبا للبيعة ، فبعث أبرهة لهدم الكعبة ، وكان في مكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة ، وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الأمور برأيه ، وكان خليلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب : ما ذا عندك فهذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك؟ فقال أبو مسعود اصعد بنا إلى حراء ، فصعد الجبل فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد إليّ مائة من الإبل ، فاجعلها لله وقلدها نعلا ، واجعلها لله ثم أبثثها في الحرم ، فلعل بعض السودان يعقر منها شيئا ، فيغضب رب هذا البيت ، فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل ، فحملوا عليها ، وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود إن لهذا البيت ربا يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت ، وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه ، وأظلم عليه ثلاثة أيام ، فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض ، وعظمه ونحر له جزورا ، فانظر نحو البحر ، فنظر عبد المطلب فقال : أرى طيرا بيضاء نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرك أين قرارها قال أراها قد دارت على رؤوسنا ، قال : هل تعرفها؟ قال والله ما أعرفها ما هي بنجدية ، ولا بتهامية ، ولا عربية ، ولا شامية ، قال : ما قدرها؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها حصى ، كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يتبع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق ، فجاءت حتى إذا حاذت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم ، فلما توافت الرجال كلهم أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها مكتوب على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها رجعت من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل ، فمشيا حتى صعدا ربوة ، فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا فلم يسمعا حسا فقال بات القوم سامرين ، فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم