يَتَمَاسَّا
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أي الصيام (ف) ـ كفارته (فَإِطْعامُ سِتِّينَ
مِسْكِيناً ذلِكَ) أي الفرض الذي وصفناه ، (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ
وَرَسُولِهِ) أي لتصدقوا الله فيما أمر به وتصدقوا الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما أخبر به عن الله تعالى : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعني ما وصف من الكفارة في الظهار (وَلِلْكافِرِينَ) أي لمن جحد هذا وكذب به (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي في نار جهنم يوم القيامة.
(فصل : في أحكام الكفارة ، وما يتعلق بالظهار)
وفيه مسائل :
المسألة
الأولى : اختلفوا
فيما يحرمه الظهار فللشافعي قولان : أحدهما أنه يحرم الجماع فقط. والقول الثاني
وهو الأظهر أنه يحرم جميع جهات الاستمتاع وهو قول أبي حنيفة.
المسألة
الثانية : اختلفوا
فيمن ظاهر مرارا فقال الشافعي وأبو حنيفة لكل ظهار كفارة إلا أن يكون في مجلس واحد
وأراد التكرار للتأكيد فإن عليه كفارة واحدة وقال مالك من ظاهر من امرأته في مجالس
متفرقة فليس عليه إلا كفارة واحدة.
المسألة
الثالثة : الآية تدل
على إيجاب الكفارة قبل المماسّة سواء أراد التكفير بالإعتاق أو بالصيام أو
بالإطعام وعند مالك إن أراد التكفير بالإطعام يجوز له الوطء قبله لأن الله تعالى
قيد العتق والصوم بما قبل المسيس ولم يقل في الإطعام «من قبل أن يتماسا» فدل على
ذلك. وعند الآخرين الإطلاق في الطعام محمول على المقيد في العتق والصيام فإن جامع
قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة وهو قول أكثر أهل العلم كمالك وأبي حنيفة
والشافعي وأحمد وسفيان وقال بعضهم وإن واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول
عبد الرّحمن بن مهدي.
المسألة
الرابعة : كفارة
الظهار مرتبة فيجب عليه عتق رقبة مؤمنة وقال أبو حنيفة هذه الرقبة تجزي سواء كانت
مؤمنة أو كافرة لقوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فهذا اللفظ يفيد العموم في جميع الرقاب.
دليلنا أنا
أجمعنا على أن الرقبة في كفارة القتل مقيدة بالإيمان فكذا هنا وحمل المطلق على
المقيد أولى.
المسألة
الخامسة : الصوم فمن
لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين فإن أفطر يوما متعمدا أو نسي النية يجب
عليه استئناف الشهرين ولو شرع في الصوم ثم جامع في خلال الشهرين بالليل عصى الله
تعالى بتقديم الجماع على الكفارة لكن لا يجب عليه استئناف الشهرين وعند أبي حنيفة
يجب عليه استئناف الشهرين.
المسألة
السادسة : إن عجز عن
الصوم لمرض أو كبر أو فرط شهوة بحيث لا يصبر عن الجماع يجب عليه إطعام ستين مسكينا
كل مسكين مد من الطعام الذي يقتات به أهل البلد من حنطة أو شعير أو أرز أو ذرة أو
تمر أو نحو ذلك وقال أبو حنيفة يعطي لكل مسكين نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو
صاعا من تمر أو صاعا من شعير ولو أطعم مسكينا واحدا ستين جزءا لا يجزيه عند
الشافعي وقال أبو حنيفة يجزيه.
حجة الشافعي
ظاهر الآية وهو أن الله تعالى أوجب إطعام ستين مسكينا فوجب رعاية ظاهر الآية وحجة
أبي حنيفة أن المقصود دفع الحاجة وهو حاصل.
وأجيب عنه بأن
إدخال السرور على قلب ستين مسكينا أولى من إدخال السرور على قلب مسكين واحد.
المسألة
السابعة : إذا كانت له
رقبة إلا أنه محتاج إلى الخدمة أو له ثمن الرقبة لكنه محتاج إليه لنفقته ونفقة
عياله فله أن ينتقل إلى الصوم وقال مالك والأوزاعي يلزمه الإعتاق إذا كان واجدا
للرقبة أو ثمنها وإن كان محتاجا