ويعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة «وللبخاري»
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من
آبارهم ولا يستقوا منها فقالوا قد عجنا منها واستقينا فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء. وفي بعض
الأحاديث قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا
رسولهم الآيات فبعث الله الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج وتشرب
ماءهم يوم ورودها وأراهم مرتقى الفصيل من القارة فعتوا عن أمر ربهم وعقروها فأهلك
الله من تحت أديم السماء منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا يقال له أبو
وغال وهو أبو ثقيف ، كان في حرم الله فمنعه حرم الله تعالى من عذاب الله فلما خرج
أصابه ما أصاب قومه فدفن ودفن معه غصن من ذهب وأراهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبر أبي رغال فنزل القوم وابتدروه بأسيافهم وحفروا عنه
واستخرجوا ذلك الغصن» وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح أربعة آلاف خرج بهم صالح
إلى حضرموت فلما دخلوها مات صالح فسمي حضرموت ثم بنوا أربعة آلاف مدينة وسموها
حضوراء وقال قوم من أهل العلم : توفي صالح عليه الصلاة السلام بمكة وهو ابن ثمان
وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة. قوله تعالى :
(وَلُوطاً إِذْ قالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ
الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١))
(وَلُوطاً) يعني وأرسلنا لوطا وقيل : معناه واذكر يا محمد لوطا وهو
لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم وإبراهيم عمه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) يعني أهل سدوم وإليهم كان قد أرسل وذلك أن لوطا عليه
الصلاة والسلام لما هاجر مع عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام إلى الشام فنزل
إبراهيم عليه الصلاة والسلام أرض فلسطين ونزل لوط الأردن أرسله الله تعالى إلى أهل
سدوم يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم عن فعلهم القبيح وهو قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعني أتفعلون الفعلة الخسيسة التي هي غاية في القبح
وكانت فاحشتهم إتيان الذكران في أدبارهم (ما سَبَقَكُمْ بِها
مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) من الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق
والثانية للتبعيض ، والمعنى : ما سبقكم أيها القوم بهذه الفعلة الفاحشة أحد من
العالمين قبلكم وفي هذا الكلام توبيخ لهم وتقريع على فعلهم تلك الفاحشة. قال عمرو
بن دينار : ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا إلا كان من قوم لوط (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) يعني في أدبارهم (شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّساءِ) يعني في أدبار الرجال أشهى عندكم من فروج النساء (بَلْ أَنْتُمْ) يعني أيها القوم (قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي مجاوزون الحلال إلى الحرام وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم
بهذا الفعل الخبيث لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء
النسل وعمران الدنيا وجعل النساء محلا للشهوة وموضع النسل فإذا تركهن الإنسان وعدل
عنهن إلى غيرهن من الرجال فكأنما قد أسرف وجاوز واعتدى لأنه وضع الشيء في غير محله
وموضعه الذي خلق له لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هي مقصودة بتلك
الشهوة المركبة في الإنسان وكانت قصة قوم لوط ، على ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره
من أهل الأخبار والسير أنه كانت قرى قوم لوط مخصبة ذات زروع وثمار لم يكن في الأرض
مثلها فقصدهم الناس فآذوهم وضيقوا عليهم فعرض لهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم إذا
فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فأبوا فلما أحل الناس عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانا
حسانا صباحا فأخبثوا واستحكم ذلك فيهم. قال الحسن : كانوا لا ينكحون إلا الغرباء ،
وقيل : استحكم ذلك الفعل فيهم حتى نكح بعضهم بعضا. وقال الكلبي : إن أول من عمل به
عمل قوم لوط إبليس وذلك لأن بلادهم أخصبت فقصدها أهل البلدان فتمثل لهم إبليس في صورة
شاب أمرد فدعا إلى نفسه فكان أول من نكح في دبره فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم
والأرض أن تخسف بهم.
(وَما كانَ جَوابَ
قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ
يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ
وَأَهْلَهُ
إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ
مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ
أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا
تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥))
قوله عزوجل : (وَما كانَ جَوابَ
قَوْمِهِ)يعني وما كان جواب قوم لوط للوط إذ وبخهم على فعلهم
القبيح وركوبهم ما حرم الله تعالى عليهم من العمل الخبيث (إِلَّا أَنْ قالُوا) يعني قال بعضهم لبعض(أَخْرِجُوهُمْ مِنْ
قَرْيَتِكُمْ)يعني أخرجوا لوطا وأتباعه وأهل دينه من بلدكم(إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) يعني أنهم أناس يتنزهون عن فعلكم وعن أدبار الرجال
لأنها موضع النجاسة ومن تركها فقد تطهر ، وقيل : إن البعد عن المعاصي والآثام يسمى
طهارة فمن تباعد عنهما فقد تطهر فلهذا قال إنهم أناس يتطهرون أي من فعل المعاصي
والآثام (فَأَنْجَيْناهُ
وَأَهْلَه)يعني فأنجينا لوطا ومن آمن به واتبعه على دينه ، وقيل : المراد
بأهله المتصلون به بسبب النسل أو المراد بأهله ابنتاه(إِلَّا امْرَأَتَهُ)يعني زوجته(كانَتْ مِنَ
الْغابِرِينَ)
يعني كانت من
الباقين في العذاب لأنها كانت كافرة ، وقيل : معناه كانت من الباقين المعمرين قد
أتى عليها دهر طويل ثم هلكت مع من هلك من قوم لوط وإنما قال من الغابرين ولم يقل
من الغابرات لأنها هلكت مع الرجال فغلب الرجال فقال من الغابرين(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً)يعني حجارة من سجّيل قد عجنت بالكبريت والنار يقال مطرت
السماء وأمطرت. وقال أبو عبيدة : يقال في العذاب أمطرت وفي الرحمة مطرت(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُجْرِمِينَ)
يعني انظر يا
محمد كيف كان عاقبة هؤلاء الذين كذبوا بالله ورسوله وعملوا الفواحش كيف أهلكناهم.
قال مجاهد : نزل جبريل عليهالسلام فأدخل جناحيه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها ورفعها إلى
السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم اتبعوا بالحجارة. وقوله فانظر كيف كان
عاقبة المجرمين وإن كان هذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم لكن المراد به غيره من أمته ليعتبروا بما جرى على أولئك
فينزجروا بذلك الاعتبار عن الأفعال القبيحة والفواحش الخبيثة.
قوله عزوجل
: (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)
يعني : وأرسلنا
إلى مدين أكثر المفسرين على أن مدين اسم رجل وهو مدين بن إبراهيم الخليل عليه
الصلاة والسلام فعلى هذا يكون المعنى وأرسلنا إلى ولد مدين ومدين اسم للقبيلة كما
يقال بنو تميم بنو عدي وبنو أسد. وقيل : مدين اسم للماء الذي كانوا عليه وقيل هو
اسم للمدينة وعلى هذين القولين يكون المعنى : وأرسلنا إلى أهل مدين والصحيح هو
الأول لقوله أخاهم شعيبا يعني في النسب لا في الدين وشعيب هو ابن ثويب بن مدين بن
إبراهيم عليه الصلاة والسلام قاله عطاء وقال محمد بن إسحاق وهو شعيب بن ميكيل بن
يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأم ميكيل بنت لوط عليهالسلام. وقيل : هو شعيب بن يثرون بن ثويب بن مدين بن إبراهيم عليهالسلام وكان شعيب أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن
مراجعته قومه وكان قومه أهل كفر وبخس في المكيال والميزان (قالَ)
يعني شعيبا(يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ
مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
يعني : قد
جاءتكم حجة وبرهان من ربكم بحقيقة ما أقول وصدق ما أدعي من النبوة والرسالة إليكم
لأنه لا بد لكل نبي من معجزة تدل على صدق ما جاء به من عند الله غير أن تلك
المعجزة التي كانت لشعيب لم تذكر في القرآن وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في
القرآن ، وقيل : أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم وقيل أراد بالبينة الموعظة
وهي قوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ
وَالْمِيزانَ)
يعني فأتموا
الكيل والميزان وأعطوا الناس حقوقهم وهو قوله (وَلا تَبْخَسُوا
النَّاسَ أَشْياءَهُمْ)
يعني لا تظلموا
الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها فتطففوا الكيل والوزن. يقال : بخس فلان في الكيل
والوزن إذا نقصه وطففه