(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) يعني بعد أن أصلحها الله تعالى ببعثة الرسل وإقامة العدل وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم (ذلِكُمْ) يعني الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان بالله ووفاء الكيل والميزان وترك الظلم والبخس (خَيْرٌ لَكُمْ) يعني مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني إن كنتم مصدّقين بما أقول.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩))
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) يعني أن شعيبا قال لقومه الكفار ولا تقعدوا على كل طريق من الدين والحق تمنعون الناس من الدخول فيه وتهددونهم على ذلك ذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرقات ويخوفون من يريد الإيمان بالله وبرسوله شعيب وهو قوله تعالى : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ) يعني وتمنعون من يريد الإيمان بالله وتقولون إن شعيبا كذاب وتخوفونه بالقتل. قال ابن عباس : كانوا يجلسون على الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا الذي تريدونه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) يعني : وتريدون اعوجاج الطريق عن الحق وعدولها عن القصد. وقيل معناه تلتمسون لها الزيغ والضلال ولا تستقيمون على طريق الهدى والرشاد (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) يعني : أن شعيبا عليه الصلاة والسلام ذكرهم نعمة الله عليهم. قال الزجاج : يحتمل ذلك ثلاثة أوجه كثر عددكم وكثركم بالغنى بعد الفقر وكثركم بالقوة بعد الضعف ووجه ذلك أنهم إذا كانوا فقراء ضعفاء فهم بمنزلة القليل والمعنى إنه كثركم بعد القلة وأعزكم بعد الذلة فاشكروا نعمة الله تعالى عليكم وآمنوا به (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) يعني وانظروا نظر اعتبار ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الخالية حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من العذاب والهلاك وأقرب الأمم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أرسل الله تعالى عليهم حجارة من السماء لما عصوه وكذبوا رسله (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا) يعني وإن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين فرقة آمنت بي وصدقت برسالتي وفرقة كذبت وجحدت رسالتي (فَاصْبِرُوا) فيه وعيد وتهديد (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) يعني حتى يقضي الله ويفصل بيننا فيعجز المؤمنين المصدقين وينصرهم ويهلك المكذبين الجاحدين ويعذبهم (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) يعني أنه حاكم عادل منزه عن الجور والميل والحيف في حكمه وإنما قال خير الحاكمين لأنه قد يسمى بعض الأشخاص حاكما على سبيل المجاز والله تعالى هو الحاكم في الحقيقة فلهذا قال وهو خير الحاكمين (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) يعني قال الجماعة من أشراف قومه الذين تكبروا عن الإيمان بالله وبرسوله وتعظموا عن اتباع شعيب (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) يعني أن قوم شعيب أجابوه بأن قالوا لا بد من أحد أمرين إما إخراجك ومن تبعك على دينك من بلدنا أو لترجعن إلى ديننا وملتنا وما نحن عليه وهذا فيه إشكال وهو أن شعيبا عليه الصلاة والسلام لم يكن قط على ملتهم حتى يرجع إلى ما كان عليه فما معنى