الآخرة ؛ فإذا فعل شيئا منها بعد النوم أو بعد صلاة العشاء فقد ارتكب محرّما. ونسخ الله هذا الحكم بهذه الآية.
وقال أبو مسلم الأصفهاني : ما كانت هذه الحرمة في شرعنا ، بل كانت في شرع النصارى ، والله تعالى نسخ بهذه الآية ما كان في شرع النصارى.
وقد استدل الجمهور لمذهبهم بوجوه :
منها : التمسك بالتشبيه في قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ومنها قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) فإنه يقتضي سابق الحرمة.
ومنها قوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ) وقوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) فإنّ الأكل بعد النوم ، وكذا الوقاع ، لو لم يكن محرّما ما كان هناك معنى لتخوينهم أنفسهم ، ولا لتوبة الله عليهم ، ولا لعفوه ، ثم إن قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) يقتضي أنّ المباشرة كانت محظورة ، وأبيحت بقوله : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ).
وقد ردّ أبو مسلم هذه الحجج بما نجمله فيما يأتي :
سبق أنه قال : إن هذه الحرمة كانت في شرع النصارى ، وقد فهم الصحابة بقاء الحكم ، فكانوا يمتنعون من الأكل والوقاع بعد النوم وبعد الصلاة الأخيرة ، فبيّن الله بهذه الآية أنه قد خفف عن هذه الأمة وعفا عنها ، فلم يوجب عليها ما أوجبه على الأمم السابقة ، وأذن لها في تناول ما كان محظورا في الأمم السابقة.
وأنت تعلم أن ذلك يتوقف إلى حد كبير على ثبوت أن يكون ذلك كان شريعة للنصارى ، وهو ما لم يثبت بعد ، ثم هو مع ذلك مخالف لظاهر قوله : (تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) وإن كان هو يتأوّلها بتنقيص شهواتها ، بدليل إضافتها إلى النفس ، وهو يقول : لو كان ذلك محرّما لكان خيانة للشرع لا للنفس ، ولكن ، أليست مخالفة أحكام الشرع خيانة للنفس ، لأنّها تستوجب بها العذاب في الدنيا والآخرة.
ثم إنّ ظاهر قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ) مهما تأوله بالتخفيف ، فإنه ظاهر في أنه لا يقال : خففت عن فلان إلا ما كان ثقيلا عليه.
نعم إنّ له أن يقول : إنّ من شأن هذا التكليف أن يكون ثقيلا علينا لو شرع ، فإسقاطه عنا تخفيف.
ولكن نقول : هو احتمال ، ولكن المتبادر خلافه ، ونحن نقول بظاهر الآية لا بنصها.
ثم إنّ الأسباب التي ذكرت في نزول الآية تعاضد الذي ذهب إليه الجمهور :
منها ما روي أنّ رجلا ـ وفي اسمه خلاف ـ من الأنصار جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم عشية ، وقد أجهده الصوم ، فسأله الرسول عن سبب ضعفه فقال : يا رسول الله ـ