ومنها ما روي عن قتادة أن الصحابة قالوا : كيف ندعو ربنا يا نبي الله؟ فأنزل الله هذه الآية (١).
ومنها ما روي أنه لما نزلت آية (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) فهموا منها تحريم الأكل بعد النوم ، ثم إنهم أكلوا ؛ وندموا ؛ وتابوا ؛ وسألوا النبي صلىاللهعليهوسلم : هل يقبل الله تعالى توبتنا؟ فنزلت.
وليس المراد بالقريب هنا قرب المكان. بل المراد القرب بالعلم ، وما تقتضيه إجابة الدعاء.
هذا وقد قال بعضهم : إنّ الدعاء لا فائدة فيه ، وذلك أن الأمر الذي يصدر بشأنه الدعاء. إمّا أن يكون في علم الله واقعا أولا. فإن كان الأول فهو لا بد واقع ، وإن كان الثاني فهو غير واقع لا محالة!!
والجمهور من العقلاء على أن الدعاء أهم مقامات العبودية ، والأدلة النقلية على ذلك كثيرة.
منها هذه الآية التي معنا. ومنها قوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠] ولولا أنّ الدعاء فضله عظيم ما طلبه الله منا ، بل إنّ الله تعالى بيّن في آية أخرى أنه إذا لم يسأل غضب ، فقال : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)) [الأنعام : ٤٣].
ومنها ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : «الدعاء مخّ العبادة» (٢).
وعن النعمان بن بشير أنه عليه الصلاة والسلام قال : «الدعاء هو العبادة» (٣) وقرأ (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : ٦٠].
وأما ما قالوا : من أنه إن كان الأمر معلوم الوقوع فهو واقع إلخ : فنقول ، إنما يكون ذلك لو علمت كيفية قضائه. أما وهما مغيّبان عنا ، والحكمة الإلهية تقتضي أن يكون العبد بين الرجاء والخوف. ولولا ذلك لما كان له فائدة ، بل لما صحّ.
__________________
رقم (٢٩٩٢) ، ومسلم في الصحيح (٤ / ٢٠٧٦) ، ٤٨ ـ كتاب الذكر ، ١٣ ـ باب استحباب خفض الصوت حديث رقم (٤٤ / ٢٧٠٤).
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٢ / ٩٣) ،
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٤٢٥) ، كتاب الدعوات ، باب ما جاء في فضل الدعاء حديث رقم (٣٣٧١).
(٣) رواه أبو داود في السنن (١ / ٥٤٩) في كتاب الصلاة ، باب الدعاء حديث رقم (١٤٧٩) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٤٢٦) ، كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل الدعاء حديث رقم (٣٣٧٢).