وأما مبدأ
التحريم فهو مبنيّ على الخلاف الذي قد علمته في المراد بالنداء ، وظاهر أنّ
المأمور بالسعي هو المأمور بترك البيع ، وأما من عداهم فلا يشملهم الأمر ، فإنّ
الأمر بترك البيع إنما كان لوجوب السعي.
وقد روي عن بعض
السلف أنّ ترك البيع وقت النداء واجب على الناس جميعا من وجب عليه السعي ومن لم
يجب.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي السعي إلى ذكر الله ، وترك أعمالكم من أجل ذلك خير
لكم وأنفع ، والتفضيل باعتبار ما في المعاملة من المنافع الدنيوية ، وقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) معناه : إن كنتم من أهل العلم عرفتم أنّ امتثال أوامر
الله في الذهاب إلى الجمعة ، والانتفاع بما يلقى على الناس من مواعظ خير لكم في
الدنيا والآخرة.
في الدنيا حيث
يبصّركم الإمام بما فيه خيركم ونجاتكم من الأذى ، وفي الآخرة برضا الله عنكم ، حيث
امتثلتم أمره.
قال الله تعالى
: (فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا
اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)).
أي إذا فرغتم
من أداء الصلاة فتفرّقوا في الأرض إلى حيث تؤدّون أعمالكم التي كنتم تركتموها من
أجل الذكر ، واطلبوا الربح من فضل الله وفيض إنعامه.
وقد قالوا : إن
هذا أمر ورد
بعد الحظر فهو للإباحة ، وعليه فليس يطلب من الإنسان أن يخرج من المسجد بعد الصلاة ، لا وجوبا
ولا ندبا.
ولقد روي عن
بعض السلف أنّه كان إذا انتهت الصلاة خرج من المسجد ، ودار في السوق ساعة ، ثم رجع
إلى المسجد فصلّى ما شاء أن يصلّي ، فقيل له : لأي شيء تصنع هذا؟ قال : إني رأيت
سيّد المرسلين يصنع هذا ، وتلا قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ
الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) رضي الله عن أصحاب رسول الله ، فقد كانوا يتأسون
بالمصطفى حتى في حركاته وسكناته.
(وَاذْكُرُوا اللهَ
كَثِيراً) وفي وقت اشتغالكم بأعمالكم ، ولا تكتفوا بالذكر الذي
سعيتم من أجله ، لكي تفوزوا بخير الدارين.
وقد عرض
المفسرون هنا لأحكام كثيرة تتعلق بالجمعة ، كاشتراط المصر ، وكون الخطبة قبل
الصلاة أو بعدها ، وهل هناك سنن قبلية ، أو بعدية؟ ونحن نرى أن هذه الأحكام لا تدل
عليها الآية ، ولا من طريق الإشارة ، فيرجع إليها في السنة والفقه.