وهي دون الإيمان لا تصلح علة ، إذ إنّها لو صلحت لكان خروج الحربية إلينا بأمان موجبا للفرقة ، وهو لا يوجبها اتفاقا ، وكذلك المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان ، أو أسره أهل الحرب لا يبطل نكاح امرأته التي في دار الإسلام.
وجواب الحنفية عن هذا ـ بأنّ المراد أن يكون من أهل دار الإسلام ـ جواب لا ينفع ، فإنّه تستر وراء الألفاظ ، وإلّا فأهليتها لدار الإسلام موجودة وهي في دار الحرب إذا أسلمت قبله ، فلما ذا تنتظرونه حتى يعرض عليه الإسلام ، فإن أسلم ، وإلا فرّق بينهما. فالأهلية فوجودة من اللحظة الأولى ، فلو كانت الأهلية هي الموجبة لحصلت الفرقة بالإسلام لمجرده ، وهو ما نقول به ، غاية الأمر أننا نخالفكم في العدة ، أنتم تقولون بعدم وجوبها ، ونحن نقول بوجوبها ، لأننا نرى أن العدة شرعت لتعرف براءة الرحم ، ولحقّ الزوج ، حتى لا يضيع نسب ولده ، فإذا أسلم وامرأته في العدة فهو أحقّ بها ، لأن المانع من بقاء الزوجية قد زال ، والعدة واجبة على الزوجة غير المسبية ، وهذه زوجة غير مسبية ، فتلزمها العدة.
قال الحنفية في مسألة العدة : إنّ قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ظاهر في عدم وجوب العدة ، لأنّه لم يشترط في رفع الجناح في النكاح إلا إيتاء المهر ، ولو كان هناك شيء غير هذا لبينه.
وللجماعة أن يقولوا في هذا الدليل : إنّه متروك الظاهر ، وإلا لا قتضى أن يصحّ النكاح بغير شهود ، وهو لا يصحّ بالاتفاق ، بل هو لا يصح إلا مستوفيا كلّ شرائطه ، فلو كان تحته أختها لا يحل له أن ينكحها مهما دفع من المهر.
نعم قد يقال في هذا : إن الله تعالى يقول : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) والنكاح حقيقة شرعية معروفة الأركان والشرائط ، فالمفروض استيفاؤها ، والآية سيقت لدفع ما كان يظنّ من أنّ للنكاح الأول حرمته ، وأنّه باق ، فنفت الآية هذا الظن ، ورفعت الجناح في النكاح مع استيفاء الشرائط والأركان وانتفاء الموانع.
وأما استدلال الحنفية بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) فتأويله عند الجماعة : ولا تمسكوا بعصم نسائكم المشركات الباقيات في دار الحرب ، وتكون الآية لمنع بقاء نكاحهن ، كما منع ابتداء نكاح المشركات (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١]. ويكون المراد منع المؤمنين من أن يكون بينهم وبين نسائهم الباقيات على الشرك علقة من علق الزوجية أصلا ، وعدم الاعتداد بذلك النكاح ، فهو لا يمنع خامسة ولا نكاح أختها.
وقد يساعد على هذا التأويل قوله تعالى : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا). فإن معناه : اسألوا الكفار مهور نسائكم ، ولهم من السؤال مثل ذلك ، وعليكم الإجابة.