وثبت في «الصحيح
أنّ عمر بن الخطاب كان يقدّم عبد الله بن عباس على الصحابة ، فكلّموه في
ذلك ، فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير (إِذا جاءَ نَصْرُ
اللهِ وَالْفَتْحُ (١)) [النصر : ١] فسكتوا. فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم ، ثم قال : بهذا
قدمت الفتى.
وكان التقدم في
مجلس الجمعة بالبكور ، إلا ما يلي الإمام ، فإنّه لذوي الأحلام والنّهى.
وكان التقدم في
مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب لذوي النجدة والمراس من الناس ، والتقدم في مجلس
الرأي والشورى لمن له بصر بالشورى ، وخبرة بالأمور.
(يَرْفَعِ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ). اختلف المفسرون في المراد بالموصول هنا (الَّذِينَ آمَنُوا) و (وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ) فقال جماعة : المراد من (الذين آمنوا) كلّ المؤمنين ،
سواء من أوتوا العلم منهم ، ومن لم يؤتوه. والمراد من (الذين أوتوا العلم) العلماء
من المؤمنين خاصة ، وعلى ذلك يكون العطف من عطف الخاص على العام ، تعظيما للعلماء
بحسبانهم ، كأنهم جنس آخر.
وقال قوم :
المراد بالذين آمنوا : المؤمنون الذين لم يؤتوا العلم ، بدليل مقابلته بالذين أوتوا العلم ، وهذا مروي عن ابن مسعود ، وابن عباس رضي الله عنهم ،
وعليه يكون العطف عطف متغايرين بالذات ، ويكون الموصول الثاني معمولا لفعل محذوف
دلّ عليه المذكور ، ويكون معمول الفعل المذكور محذوفا ، دلّ عليه المعمول المذكور
، ويكون الكلام من عطف الجمل ، والتقدير : يرفع الله الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم
درجات تليق بهم ، ويرفع الذين أوتوا العلم درجات.
وقال آخرون :
المراد بالموصولين واحد ، والعطف لتنزيل التغاير في الصفات منزلة التغاير في
الذوات. والمعنى : يرفع الله الذين آمنوا العالمين درجات.
وعلى هذه
الأوجه يكون رفع الدرجات جزاء لامتثالهم لأمر النهوض من المجالس ، وفي هذا الجزاء
مناسبة للعمل المأمور به ، وهو ترك ما كانوا يتنافسون فيه من الجلوس في أرفع
المجالس وأقربها من النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما كان الممتثل لذلك يخفض نفسه تواضعا لله ،
وامتثالا لأمره جوزي على تواضعه برفع الدرجات و «من تواضع لله رفعه» وذهب آخرون
إلى أنّ جملة (يَرْفَعِ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) كالتعليل للأمر السابق ، أي إذا قيل لكم انهضوا للتوسعة
على القادمين فانهضوا ، لأنّ
__________________