الإمام أحمد وأبو داود (١) وغيرهما من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال : حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ وفي أوس بن الصامت أنزل الله تعالى صدر سورة المجادلة ، كنت عنده شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، فدخل عليّ يوما ، فراجعته بشيء ، فغضب ، فقال : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم رجع ، فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل عليّ ، فإذا هو يريدني عن نفسي ، قلت : كلا والذي نفس خولة بيده ، لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت ، حتّى يحكم الله ورسوله فينا. ثم جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فذكرت له ذلك ، فما برحت حتّى نزل القرآن ... الخبر. فإنّ ظاهر قولها : فذكرت له ذلك أنّها ذكرت كلّ ما وقع. ومنه طلب أوس وطأها ، المكنّى عنه ب : يريدني عن نفسي. وذكرها ذلك له عليه الصلاة والسلام أهمّ لها من ذكرها إياه ليوسف بن عبد الله بن سلام.
واعترض القول بأنّ العود هو إمساكها زمنا يتّسع للفراق الشرعي ولم يفارق ، بأن الله تعالى قال : (ثُمَّ يَعُودُونَ) وكلمة (ثم) تقتضي التراخي الزماني ، والإمساك المذكور معقب لا متراخ ، فلا يعطف بثم ، بل بالفاء.
والجواب أن زمن الإمساك ممتدّ ، ومثله يجوز فيه العطف بثم ، والعطف بالفاء باعتبار ابتدائه وانتهائه.
وقوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مبتدأ ثان ، خبره محذوف أي فعليهم تحرير رقبة ، والجملة خبر الموصول ، ولتضمنه معنى الشرط زيدت الفاء في خبره ، والمراد بالرقبة المملوك من تسمية الكل باسم الجزء فتحرير الرقبة إعتاق المملوك ، وجعله حرّا.
وقد أطلق الله الرقبة هنا ، ولم يقيّدها بالإيمان ، فاقتضى ذلك إجزاء عتق الرقبة في الكفارة ، وبهذا الظاهر قال الحنفية وأهل الظاهر ، وقالوا : لو كان الإيمان شرطا لبيّنه سبحان ، كما بينه في كفارة القتل ، فوجب أن يطلق ما أطلقه الله ، ويقيد ما قيده ، فيعمل بكلّ منهما في موضعه ، وزاد الحنفية أنّ اشتراط الإيمان هنا زيادة على النص ، وهو نسخ ، والقرآن لا ينسخ إلّا بالقرآن أو الخبر المشهور ، ولا يحمل المطلق على المقيّد إلا في حكم واحد في حادثة واحدة ، ولا يلزم من التقييد في كفارة القتل الذي هو أعظم ، ثبوت مثله في كفارة الظهار الذي هو أخف ، فلا يصحّ أن تكون آية القتل بيانا لآية الظهار.
وذهب مالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه إلى اشتراط الإيمان في كفارة غير القتل ، كما هو شرط في كفارة القتل ، قالوا في بيان ذلك واللفظ للشافعي : شرط الله سبحانه في الرقبة في القتل أن تكون مؤمنة ، وأطلق هنا ، كما شرط العدالة في
__________________
(١) سبق تخريجه.