على أنّ ذلك
يتفق تماما مع قوله تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)) ولو نظرت إلى أنّ الآية سيقت للرد على المكذبين لوجدت
الذي نقول أبلغ في الرد عليه من وصفه بأنه لا يمسه المحدثون.
على أنّ الآية
خبر ، وتأويلها على الوجه الذي ذكرنا يبقيها على خبريتها ، أمّا تأويلها على الوجه
الآخر ، فيحتاج إلى إخراجها عن الخبرية إلا الإنشاء ، والأصل إبقاء الخبر على
خبريته حتى يوجد المقتضى ، ونحن نبحث عنه فلا نجده.
على أنّه لو
كان المعنى ما ذهبوا إليه لقيل : لا يمسه إلا المتطهرون بدل إلا المطهرون ،
فالمطهرون من تكون طهارتهم من غيرهم ، أما المتطهرون فطهارتهم مسندة إليهم ، وحيث
أراد الله هذا المعنى قال فيه : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة : ٢٢٢]. وفي الحديث : «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من
المتطهرين» .
ومن وجوه الترجيح
أنّه لو أريد به المصحف الذي بأيدينا لم يكن وصفه بكونه مكنونا ذا فائدة كبيرة ،
إذ ما فائدة أن يقال : إنّ القرآن في مستور ، وكل الكتب كذلك.
إنما سيقت
الآية الكريمة لمدحه وتشريفه ، وبيان الخصال التي اختص بها ، والتي تدلّ على أنّه
منزل من عند الله ، وأنّه محفوظ مصون ، لا تصل إليه الشياطين ، ولا يمسه إلا
السفرة الكرام البررة.
نعم إذا كان
المفسرون تبعا للفقهاء يستدلّون بالآية من وجهها الذي استدل بها منه ابن تيمية على
الحكم كان حسنا ، حيث قال : إنّ الآية تدلّ على الحكم من باب الإشارة والتنبيه ،
لأنّه ما دامت صحف القرآن في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فالصحف التي بأيدينا
كذلك ينبغي ألا يمسها إلا الطاهر.
على أنّهم لو
ذهبوا إلى السنة لوجدوا بها الذين يطلبون ، فقد روى أصحاب السنن من حديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن
أبيه عن جده أنّ في الكتاب الذي كتبه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات : «ألا يمسّ
القرآن إلا طاهر» وقد رجّح العلماء صحة ما رواه ابن حبان في «صحيحه» ومالك في «الموطأ»
ثم الآثار بعد ذلك كثيرة.
ولعل هذا يغنيك
عن الرجوع إلى ترجيح أحد الآراء على غيره في التفسير ، أما الحكم فنحن نسلم به من
دليله إذا كان في غير الآية ، والآثار عليه كثيرة : منها ما ورد
__________________