بالقوم الرجال. ويرى بعضهم أنّ القوم اسم خاصّ بالرجال لا يدلّ على النساء إلا من طريق التغليب ، ومنه ما جاء في بيت زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
وكأنّ هذا المعنى يرجع إلى أنّ لفظ القوم مأخوذ من أنّ الرجل قوّام على المرأة ، وهو في الأصل : إما مصدر بمعنى القيام ، ثم استعمل في جماعة الرجال ، وإما اسم جمع لقائم.
وقد جاء النهي عن السخرية موجها إلى جماعة الرجال والنساء ، وإن كان حكم الفرد من الفريقين كذلك ، جريا على ما كان حاصلا ، وما هو الأغلب من وقوع السخرية في المجامع والمحافل. وما دامت علة النهي عامة ، فهو يفيد عموم الحكم لعموم العلة.
وكلمة (عسى) في مثل هذا التركيب الذي أسندت فيه إلى (أن ، والفعل) قيل : تامة ، لا تحتاج إلى خبر ، و (أن) وما دخلت عليه في محل رفع على الفاعلية. وقيل ناقصة ، وسد ما بعدها مسد جزءيها.
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يعب بعضكم بعضا ، وقد جعل الله لمز بعض المؤمنين لمزا للنفس ، لأنهم كنفس واحدة ، فمتى عاب المؤمن أخاه ، فكأنّه عاب نفسه.
وقد ذكر الله في الآية النهي عن ثلاثة أشياء : عن السخرية ، وعن اللمز ، وعن التنابز بالألقاب.
أما التنابز بالألقاب : وهو التعاير بها ، فمغايرته للسخرية واللمز ظاهرة.
وأما السخرية واللمز ، فقد ذهب العلماء في المغايرة بينهما إلى وجوه ، فمنهم من يرى أنّ السخرية احتقار الشخص مطلقا على وجه مضحك بحضرته ، واللمز التنبيه على معايبه ، سواء أكان على مضحك أم غيره ، وسواء أكان بحضرته أم لا ، وعلى هذا اللّمز أعم من السخرية ، ويكون من عطف العام على الخاص ، لإفادة الشمول.
ومنهم من يرى السخرية الاحتقار واللمز والتنبيه على المعايب ، أو تتبعها ، وهو يرى أنّ العطف من قبيل عطف العلة على معلولها. كأنّه قيل : لا يحقّر أحد لعيبه ، وهذا الوجه لا يكاد يظهر له كبير معنى.
ومنهم من يرى أنّ اللمز خاص بما كان من السخرية على وجه الخفية ، وعليه العطف من عطف الخاص على العام ، مبالغة في النهي عنه ، كأنه جنس آخر.
ويرى بعضهم أن المعنى : ولا تأتوا من الأفعال ما يكون سببا لأن يلمزكم الناس ، ويكون المعنى لا يسخر أحد من أحد ، ولا يفعلنّ أحد ما يقتضي أن يلمزه الناس.
(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) التنابز : التعاير ، والتداعي بالألقاب ، وخصّ في العرف