يتخذ التماثيل ، فالقرآن صريح في امتنان الله على سليمان بأنّه سخّر له الجن لتعمل له ما يشاء عمله ، من المحاريب ؛ والتماثيل ، والجفان ، والقدور الراسيات. صحيح أنّه لم يذكر في القرآن صراحة أنّ الجن عملت له المحاريب والتماثيل والجفان ، ولكنّ تخصيص هذه الأشياء بالذكر في معرض الامتنان دليل على أنّ سليمان كان يبغي صنع هذه الأشياء ، وهو قد لا يجد من يصنعها ، أو يحذق صنعها ، فسخّر له الجن لعملها ، وأنّه يمتن عليه بذلك ، وعلى هذا ففي تسخير الله الجن لعمل ما يشاء سليمان من التماثيل إذن من الله لسليمان باتخاذها ، وهذا دليل على أنّ اتخاذها مشروع عند سليمان ، فهل الأمر كذلك في شريعتنا ، ذلك هو الذي يجمل بنا أن نتكلم فيه فنقول :
إنّ القرآن نعى على التماثيل يعكف لها (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) [الأنبياء : ٥٢] وندّد بمن يتخذون الأصنام والأوثان آلهة ، وفي القرآن من قصص إبراهيم في تحطيم الأصنام ما هو معروف ، وقد ورد أنّ رسولنا الأعظم حطّم الأصنام التي كانت حول الكعبة (١) ، والتي كانت على الصفا والمروة ، والدين الإسلامي دين التوحيد ، وعدوّ الشرك ، وليس في الإسلام ذنب أعظم من الشرك (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨ و ١١٦].
والسنة قد جاءت بالنعي على التصوير والمصورين ، وبالنهي عن اتخاذ الصور ، وبالتنفير منها : وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة في الموضوع على وجوه كثيرة من الاختلاف. ولكنّها ترجع إلى خمس أمهات ننقلها لك عن القاضي أبي بكر بن العربي ، وقد كنا أحببنا أن ننقلها عن البخاري ، لكنّا وجدنا إرجاعها إلى الأمهات الخمس ويرجع الفضل فيه للقاضي أبي بكر ، فآثرنا الأخذ عنه ، فإنّ البخاريّ ذكرها في أبواب على عادته. قال القاضي رضي الله عنه (٢) : إنّ أمهات الأحاديث خمس أمهات :
الأم الأولى : ما روي عن ابن مسعود وابن عباس «أنّ أصحاب الصور يعذّبون ، أو هم أشدّ الناس عذابا» (٣). وهذا عامّ في كل صورة.
الأم الثانية : روي عن أبي طلحة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ١٠٩) ، ٦٤ ـ كتاب المغازي ، ٤٩ ـ باب أين ركز النبي صلىاللهعليهوسلم حديث رقم (٤٢٨٧).
(٢) انظر أحكام القرآن لابن العربي ، بيروت دار الفكر. (٤ / ١٥٨٩).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٦٧٠) ، ٣٧ ـ كتاب اللباس ، ٢٦ ـ باب تحريم تصوير صورة حيوان حديث رقم (٩٨ / ٢١٠٩) ، والبخاري في الصحيح (٧ / ٨٥) ، ٧١ ـ كتاب اللباس ، ٨٩ ـ باب عذاب المصورين حديث رقم (٥٩٥٠).