أبحتم له النظر يمكن أن يصفها لكل من تحلّ له ، سواء أكان قريبا أم أجنبيا ، والعمة والخالة تريان من المرأة كل شيء إلا العورة ، ويمكن أنّ كلّ واحدة منهما تصف لابنها ما رأت من ابنة أخيها أو من ابنة أختها.
وكيف يمكن أن يكون إمكان الوصف علة في الحجاب ، وقد أباح النبي صلىاللهعليهوسلم نظر المرأة لمن أراد أن يخطبها وقال : «انظر إليها ، فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما» (١).
وقد اختلف العلماء في تعيين المراد من النساء في قوله تعالى : (وَلا نِسائِهِنَ) فروي عن ابن عباس ومجاهد أنّ المراد منهنّ المؤمنات ، وتكون إضافتهن إليهن باعتبار أنهن على دينهن ، ويكون ذلك دليل احتجاب نساء النبي صلىاللهعليهوسلم من الكافرات.
ويرى بعضهم أنّ المراد منهن النساء القريبات ، وتكون إضافتهنّ إليهن لمزيد اختصاصهن بهن ، لما لهنّ من صلة القرابة ، وكذلك من يكون من النساء مضافا إليهن لأي صلة أخرى ، كالمتصرفات الخادمات.
وأما ما ملكت الأيمان فهو بظاهره ، ويعمّ الذكور منهم والإناث ، وتخصيص بعض العلماء له بالإماء يحتاج إلى دليل يدلّ على أنّ المرأة تحتجب من عبدها ، ويبقى ظاهر الآية معمولا به حتى يقوم الدليل.
وقد تكلم بعضهم بعد ذلك في دخول المكاتب ، وعدم دخوله ، وهو رقيق ما بقي عليه درهم ، فمن نظر إلى هذه الجهة قال : إنّ الآية تتناوله بظاهرها ، وإخراجه يحتاج إلى الدليل ، ومن نظر إلى أنّ الله إنما أباح الظهور للعبد لحاجة المرأة إلى خدمته ، ومن حيث إنه حرّ يدا ، وهو مشغول بسعيه في أداء بدل الكتابة ، فهو لا يقوم بخدمة سيدته ، ومن أجل ذلك لا يوجد المعنى الذي من أجله رفع الجناح في العبيد ، فلا يكون مما تتناوله الآية.
(وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) لما كان أمر الحجاب عن الأجانب ، والترخيص في تركه للأقربين المحارم يحتاج إلى كثير من الحذر والتقوى ، فقد يجر دخول الأقارب بيوت الأزواج إلى مفاسد ومنغّصات ، وقد يكون في الكلام مع الأجانب من وراء الحجب ما لا يقل عن تلك المفاسد. وتلك أشياء قد ترتكب مع التظاهر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وليس من علاج لهذه الحال ، إلّا أن يلزم النساء خشية ربهنّ وتقواه.
وجه الله الخطاب للنساء بعد أن كان الحديث عنهنّ حديثا عن الغائبات ، حتى
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٣٩٧) ، كتاب النكاح ، باب النظر إلى المخطوبة حديث رقم (١٠٨٧) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٥٩٩) ، ٩ ـ كتاب النكاح ، ٩ ـ باب النظر إلى المرأة حديث رقم (١٨٦٥) ، والنسائي في السنن (٥ ـ ٦ / ٣٧٨) ، كتاب النكاح ، باب إباحة النظر حديث رقم (٣٢٣٥).