أو في غيرها ، فدلّ ذلك على أنّ شأن المؤمنين ألا يكون منهم للرسول صلىاللهعليهوسلم إلّا ما يكون إكراما وشكرا على ما أسدى إلى الأمة من خير ، فلا معنى لتقييد الأذى هنا بنوع منه ، كاللبث في بيوته صلىاللهعليهوسلم ، والاستئناس للحديث فيها ، وكون الآية وردت في هذا السياق لا يقتضي تقييدها به ، بل يقتضي دخولها في العموم الذي دلّت عليه الآية.
وذكر النبي بوصف الرسالة هنا مشعر بتوبيخ من تحدّثهم نفوسهم بأذيته ، إذ ذلك يكون كفرانا بنعمة الرسالة الواجب شكرانها.
(وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) ذكر هذا بعد النهي عن الأذى بصيغة الخبر من قبيل ذكر الخاص بعد العام ، للاهتمام به ، فإنّ امتهان فراش الرسول صلىاللهعليهوسلم من أكبر الأذى.
وقد عرض المفسرون هنا للكلام في المراد من الأزواج ، وقد سبق لك عند الكلام على آية التخيير شيء من هذا.
فقد ذهب بعضهم إلى أنّ الأزواج اللائي لا ينكحن هن من ثبت لهن هذا الوصف ، ولو من طريق العقد من غير أن يدخل بها. وإطلاق الأزواج هنا ظاهر في هذا.
ويرى بعضهم كإمام الحرمين قصره على المدخول بها ، ونحيلك هنا على ما ذكرناه عند الكلام على المختارات ، لتقف على أرجح الأقوال في ذلك.
وقد عرض المفسّرون أيضا إلى البعدية من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) هل هي بعدية الوفاة ، أو بعدية الفراق مطلقا. وما دام أنه صلىاللهعليهوسلم لم يثبت أنّه طلق أحدا من نسائه من طريق صحيح ، وحتى التي قيل : إنها اختارت الدنيا قيل : إنها جنّت ، وقد منعه الله من أن ينكح أزواجا بعد اللائي كنّ معه ، وأن يطلقهن ليتزوج غيرهن.
فما نرى معنى لهذا الذي خاض فيه المفسرون ، ونرى أنّ البعدية بعدية الوفاة.
وأما الكلام في حلّ المطلقة ، ومن فسخ نكاحها فهو كلام مبني على الفرض والتقدير ، ولا شأن للآية به ، وإن كان لنا أن نقول شيئا فذلك أنّ إضافة البعدية إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم ظاهر في بعدية الوفاة. وأيضا فإنّ منع المؤمنين من نكاح أزواجه إنما هو لكفّ الأذى عنه صلىاللهعليهوسلم ، وأي أذى يلحقه من أن تنكح امرأة نبذها ، ولم تنل شرف أمومة المؤمنين. إنّ منع زواجها فيه أذاها هي ، ولا يليق أن يكون مقصدا من مقاصد الشريعة إلحاق الأذى بالناس ، على أنّ منعها من الزواج فيه تسوية بينها وبين من نلن رضاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واللازم عدم التسوية.
(إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) اسم الإشارة راجع إلى إيذاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ونكاح أزواجه من بعده.
قال الله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤)) لما كان مقام البيوت خصوصا بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم يقتضي حيطة شديدة ، حتى يكون