ذلك بيّنا لكم الحدود ، ورسمنا الطرق ، حتى لا يلحقه أذى ، وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم ضجرا على ما عرفت من أسباب النزول. من بقاء من بقي عنده بعد انتهاء الطعام ، بل لقد همّ بالقيام لينتبهوا فيقوموا فأقاموا ، ولقد كان يمنعه الحياء أن يأمرهم بالانصراف.
وقد كان من عادات العرب ألّا يطلبوا إلى الضيف الانصراف بعد القرى مهما طال المكث ، وكان الناس من أجل ذلك في حاجة لأن يتعلموا آداب المنازل ، والنبي صلىاللهعليهوسلم شديد الحياء ، فنزل القرآن إرشادا لهم وتعليما.
واسم الإشارة على ما ترى راجع إلى ما يكون منهم من الدخول على غير الوجوه المبيّنة ، وقيل : بل هو راجع إلى مفهوم من الكلام ، وهو المكث قصد الاستئناس للحديث ، أو راجع إلى الاستئناس المفهوم من مستأنسين.
والاستحياء على الحقيقة لا يكون منهم ، وإنما يكون من شيء يتصل بهم ، ويلحقهم من جهته ، وهو إخراجهم أو منعهم من البقاء والمكث ، وإلا فالذات لا يستحيا منها ، إنما يكون الاستحياء من الأفعال.
انظر إلى قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) فإنّه يدل على أنّ الذي كان يستحي منه النبي هو الحق ، وهل يتصف بالحقيقة إلا الأفعال؟ ولو كان المراد الاستحياء من ذواتهم لقال تعالى في مقابله والله لا يستحي منكم.
وأطلق استحياء الله من الحق وأريد منه عدم السكوت عن بيانه ، فسمّى السكوت عليه استحياء على طريق المشاكلة ، لوقوعه بجانب استحياء الرسول صلىاللهعليهوسلم من إخراجهم.
و [يفيد] ظاهر الآية منع مكث المدعو إلى الطعام بعد تناول الطعام إذا كان ذلك مؤذيا لصاحب البيت ، وإذا كانت الآية التي معنا خاصة بآداب دخول بيت الرسول صلىاللهعليهوسلم فقد تكفّلت سورة النور ببيان آداب دخول المنازل على الإطلاق في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧)) [النور : ٢٧] وفي غيرها من الآيات ، فارجع إليها إن شئت.
(وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً).
لا يزال الكلام كما ترى متصلا في ذكر آداب الدنو من بيوت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ترى ذلك ماثلا في ضمير النساء في قوله تعالى : (سَأَلْتُمُوهُنَ) فهو راجع إلى نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد فهم اشتمال الكلام عليهن من النهي عن دخول البيوت ، وعن إطابة المكث تلذذا بالحديث ، وعن الأمر بالدخول إن كانت هناك دعوة ، والانتشار عقب الطعام ، ومن أن مخالفة ذلك تؤذي النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو ما كان ليتأذّى لو لا وجود النساء في البيوت ، فإرجاع الضمير إلى مفهوم من الكلام السابق مؤذن بأنّه متصل بالكلام