النبي صلىاللهعليهوسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ، ثم إنهم قاموا ، فجئت فأخبرت النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنهم قد انطلقوا ، فجاء حتى دخل ، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ).
ولعلّك بعد الذي قدّمنا في غير حاجة إلى إعادة القول في إضافة البيوت مجموعة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهي بيوته ، اختصّ بها ، وأعدها لسكنى أزواجه المتعددات ، وقد نهى الله المؤمنين أن يدخلوا هذه البيوت إلا دخولا مصحوبا بالإذن ، والاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا حال كونكم مصحوبين بالإذن لكم ، وتكون باء المصاحبة مقدرة في الكلام.
وذهب بعضهم إلى أن الباء المقدّرة باء السببية ، والاستثناء من عموم الأسباب.
وذهب الزمخشري إلى عدم تقدير الباء ، وإلى أن الاستثناء من عموم الأوقات ، أي لا تدخلوها في وقت من الأوقات إلا وقت الإذن ، وهذا متوقف على صحة وقوع المصدر المؤول مع الظرف. ويرى أبو حيان أنّ وقوع المصدر موقع الظرف خاصّ بالصريح دون المؤول ، والمسألة خلافية من خلافيات النحاة ، والأشهر أنه لا يجوز.
وقوله تعالى : (إِلى طَعامٍ) متعلّق بيؤذن ، وكان الظاهر أن يعدّى (بفي) بدل (إلى) إلّا أنّ الفعل (يُؤْذَنَ) ضمّن معنى الدعوة ، فعدّي بما يتعدى به فعلها ، وتضمينه معنى الدعوة للإيذان بأنه لا ينبغي الدخول للطعام إلا بدعوة إليه ، وإن وجد صريح الإذن بالدخول ، ويرى البعض أنّ (إِلى طَعامٍ) تنازعه تدخلوا ويؤذن.
(غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) إناه مصدر مضاف إلى الضمير ، نقول : أنى الطعام يأنى إذا نضج إنى ، أي نضجا.
ويرى بعضهم أنّه ظرف بمعنى حين ، وهو مقلوب آن ، فجاءت النون قبل الألف ، وغيرت فتحة الهمزة كسرة ، والمعنى على الأول : غير منتظرين نضجه ، وعلى الثاني غير منتظرين وقته ، أي وقت إدراكه ونضجه ، وهما متقاربان.
ثم إن (غير) منصوب على الحالية ، وهي حال مترادفة ، أي لا تدخلوا في حال من الأحوال ، إلا حال الإذن لكم ، غير منتظرين النضج أو وقته ، وصاحب الحال على هذا هو واو الجماعة في (لا تَدْخُلُوا).
ويرى بعضهم أنه حال من فاعل فعل محذوف ، أي ادخلوها غير ناظرين إناه. وجوّز بعضهم أن يكون حالا من الضمير المجرور في (لَكُمْ) ، ويكون المعنى : لا تدخلوا إلا حال الإذن ، حال كونكم غير ناظرين. ويكون هذا إشارة إلى أنّ الإذن ينبغي أن يكون لمن كانت عادته لمن يسبق وقت الطعام ، فإنّ ذلك يكون إثقالا على من في البيت.