وأما قول ابن زيد فباطل أيضا ، فإنّ نكاح الاستبدال الذي يدّعيه حرام على كل الناس ، فلا يكون هناك محلّ لتوجيه الخطاب إليه وحده.
وأما إعراب قوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) فيرى البعض أنّها في موضع الحال ، والمعنى : لا يحل لك أن تتبدل بهن أزواجا على أي حال ، حتى حال إعجابك بحسنهن. ويرى البعض أنّ هذه جملة شرطية حذف جوابها ، لفهمه من الكلام ، والمعنى : ولو أعجبك حسنهنّ لا يحل لك نكاحهن.
(إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) رأيت في الذي سبق أنّ تقييد حلّ المملوكة بكونها فيئا لا يقصد منه الاحتراز ، وقد جاء استثناء المملوكات من المحرمات مطلقا ، فهو متفق مع الذي قلنا هناك.
وأما من يرى أنّ القيد هناك للاحتراز ، فلعله يحمل المطلق هنا على المقيد هناك ، أو لعلّه يقول : إنّ العموم هنا أبطله الخصوص هناك ، وما نريد أن نعرض إلى أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم هل كان يحل له الكافرات ، أو هن كنّ محرمات عليه؟ فالواقع أنّ النبي لم ينكح كافرة بعد الرسالة ، والبحث في حلهن وحرمتهن غير مجد بعد ذلك.
بقي أنّ العلماء اختلفوا في الآية : أبقيت محكمة لم يدخلها النسخ ، أم نسخت؟ والذين قالوا بالنسخ اختلفوا في الناسخ : أهو الكتاب أم السنة؟ فذهب جماعة إلى أنّها محكمة ، وأنّ ذاك كان تكريما للمختارات ، وجزاء على إحسانهن.
ويرى البعض أنها منسوخة ، ويروون في ذلك حديثا عن عائشة : «ما مات النبي صلىاللهعليهوسلم إلا وقد أحلّ الله له من شاء من النساء إلا ذات محرم» (١) ويقول ابن العربي (٢) في هذا : إنه حديث ضعيف شديد الضعف.
والذين ذهبوا إلى النسخ اختلفوا في الناسخ ، فيرى بعضهم أنّ الناسخ هو قوله تعالى : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى آخر الآية ، ويقولون : إنّ الترتيب في التلاوة ليس دليل الترتيب في النزول.
وهذا عجيب من قائليه ، فإنّ النسخ في الحقيقة يعتمد ثبوت تأخر الناسخ عن المنسوخ ، وأن يكون بينهما تعارض ، وأين هذا مما يقولون؟ هل مجرد احتمال أن تكون الآية التي معنا متقدمة في النزول كاف لإثبات النسخ فيها؟
أما الذين قالوا : إن الآية منسوخة بالسنة ، وإن ذلك دليل على جواز نسخ الكتاب بالسنة ، فأمرهم أعجب ، فإن الذين يجيزون نسخ الكتاب بالسنة لا يقولون إنّه
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٣٣٢) ، كتاب التفسير ، باب تفسير سورة الأحزاب حديث رقم (٣٢١٦) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٤٣٧).
(٢) انظر أحكام القرآن للإمام ابن العربي (٣ / ١٥٥٩).