صلىاللهعليهوسلم ، فلهم القعود عن الجهاد من غير استئذان ولا إذن ، كما أنّ للمماليك والصبيان دخول البيوت في غير العورات الثلاث من غير استئذان ولا إذن من أهلها.
ومنها : أنّ الآية تنفي الحرج عن الناس في أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج والمريض ، وفي أن يأكلوا من بيوتهم أو بيوت آبائهم إلخ. وذلك أنّه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما نزل قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] تحرّج المسلمون عن مؤاكلة الأعمى ، فإنه لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لأنّه لا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض لأنه لا يستوفي حظّه من الطعام ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (١). ومن ذهب إلى هذا التأويل جعل كلمة (عَلَى) بمعنى (في) فقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) إلخ معناه ليس في الأعمى حرج ، أي ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى حرج إلخ.
ومنها ما روي أنّه قد كان أهل الأعذار يتحرّجون أن يأكلوا مع الأصحاء حذرا من استقذارهم إياهم ، وخوفا من تأذّيهم بأفعالهم وأوضاعهم فنزلت الآية (٢). أي ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج في أن يأكلوا مع الأصحاء ، وليس عليكم أيها الناس حرج في أن تأكلوا من بيوتكم إلخ.
وعلى جميع الآراء ترى الآية الكريمة قد أباحت الأكل من بيوت الأقارب : الآباء ، والأمهات ، والإخوة ، والأخوات ، والأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات.
وأباحت أيضا الأكل مما كان تحت يد الشخص وتصرفه من مال غيره ، والأكل من بيوت الأصدقاء ، ولم يذكر فيها قيد ما لإباحة الأكل من هذه البيوت ، فهي في ظاهرها تنافي قوله : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٣) وما في حديث ابن عمر عنه صلىاللهعليهوسلم : «لا يحلبنّ أحد ماشية أحد إلا بإذنه» (٤) وأيضا فإنّ إباحة الأكل من هذه البيوت ، دون شرط ولا قيد ، تدل على أنّ لهم دخولها بغير استئذان ، وهو معارض لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) وقوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣] فإذا كانوا ممنوعين من دخول بيت النبي صلىاللهعليهوسلم إلا بإذن ، وهو عليه الصلاة والسلام أجود الناس وأكرمهم ، وأقلهم حجّابا ، كان دخولهم بيت غيره صلىاللهعليهوسلم بغير إذن أولى بالحظر ، وأدخل في المنع.
__________________
(١) رواه ابن جرير في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (١٨ / ١٢٨ ـ ١٢٩).
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) رواه أبو داود في السنن (٢ / ٣٨٦) ، كتاب الجهاد ، باب فيمن قال لا يحلب حديث رقم (٢٦٢٣).