قال : فأتيت غلاما أسود فقلت : استأذن لعمر ، فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فرجعت فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فرجعت إلى الغلام ، فقلت : استأذن لعمر ، فدخل ، ثم خرج فقال : قد ذكرتك له فصمت. قال : فوليت مدبرا ، فإذا الغلام يدعوني فقال : ادخل فقد أذن لك. الحديث (١) ... ففي رجوع عمر رضي الله عنه بعد المرة الثانية دليل على أنّ إكمال الثلاث ليس مطلوبا ، بل هو حقّ المستأذن.
وهذا ومن الأدب في الاستئذان أنه إذا وقف المستأذن ينتظر الإذن فلا يستقبل الباب بوجهه ، بل يجعله عن يمينه أو شماله. فقد روي أنّ أبا سعيد الخدري استأذن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مستقبل الباب ، فقال عليه الصلاة والسلام : «لا تستأذن وأنت مستقبل الباب».
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر (٢).
قالوا : لأنّ الدّور لم يكن عليها حينئذ ستور. ولكن ينبغي أن يكون الأمر كذلك في الدور الآن ، ولو كانت مغلقة الأبواب عند الاستئذان ، فإنّ الطارق إذا استقبلها فقد يقع نظره عند الفتح له على ما لا يجوز ، أو ما يكره أهل البيت اطلاعه عليه.
وظاهر الآية أنّ الاستئذان واجب على كلّ طارق ، ولو كان أعمى ، وبذلك قال العلماء ، لأنّ من عورات البيوت ما يدرك بالسمع ، ففي دخول مكفوف البصر على أهل بيت بغير إذنهم إيذاء لهم. فأما ما رواه الشيخان من قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما جعل الاستئذان من أجل النّظر» (٣) فهو جار على الغالب ، وليس الحصر فيه على سبيل التحقيق ، بل هو حصر ادعائي مبني على المبالغة ، وكمال العناية بالحث على حفظ النظر ، وسياق القصة التي قال فيها النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك يدلّ على ما ذكرناه ، فقد روى سهل بن سعد أنّه اطلع رجل في حجرة من حجر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومع النبي مدرى يحكّ بها رأسه فقال : «لو أعلم أنّك تنظر لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل النّظر» وإذا كان الأمر كذلك ، وكان القصد المبالغة والتشديد على ذلك الرجل الذي كان يطّلع على حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم علم الغرض من ذلك الحصر ، ولم يكن في الحديث حينئذ دلالة على نفي أنه قد يكون الاستئذان من أجل السمع. فالمقصود إفادة أنّ النظر من أقوى الأسباب التي شرع لها الاستئذان.
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٥ / ١٤٢) ، ٤٦ ـ كتاب المظالم ، ٢٥ ـ باب الفرقة حديث رقم (٢٤٦٨).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٤ / ٣٨٦) ، كتاب الأدب ، باب كم مرة يسلم حديث رقم (٥١٨٦).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٦٩٨) ، كتاب الآداب ، ٩ ـ باب تحريم النظر حديث رقم (٤٠ / ٢١٥٦) ، والبخاري في الصحيح (٧ / ١٦٨) ، ٧٩ ـ كتاب الاستئذان ، ١١ ـ باب الاستئذان حديث رقم (٦٢٤١).