وهذا القول ليس بسديد لأنّه يصادم العرف واللغة ، ألا تراه لو حلف لا يزني فلاط أو بالعكس لم يحنث ، وكيف يكون اللواط زنى ، وقد اختلف الصحابة في حكمه ، وهم أعلم باللغة وموارد اللسان.
وقال بعض آخر من الشافعية : اللواط غير الزنى ، إلا أنه يقاس عليه بجامع كون الطبع داعيا إليه فيناسب الزاجر ، وهذا أيضا ليس بسديد ، لأنه بعد تسليم أن الطبع يدعو إلى اللواط فإنّ الزنى أكثر وقوعا ، وأعظم ضررا لما يترتب عليه من فساد الأنساب ، فكان الاحتياج فيه إلى الزاجر أشد وأقوى.
ولعل أقوى أدلة الشافعي فيما ذهب إليه ما رواه أبو موسى الأشعري عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان» (١) فإنّ هذا الخبر إن لم يدل على اشتراك اللواط والزنى في الاسم والحقيقة فلا أقل من اشتراكهما في الحكم ، وبقول الشافعي هذا قال أبو يوسف ومحمد.
والقول الثاني من قولي الشافعي في حد اللائط : إنه يقتل : إما بحز الرقبة كالمرتد ، وإما بالرجم ، وهو مروي عن ابن عباس ، وقول أحمد وإسحاق ، ورواية عن مالك ، وإما بالهدم عليه ، ويروى عن أبي بكر الصديق ، وإما بالرمي من شاهق ، وهو مشهور مذهب مالك.
وقال أبو حنيفة رحمهالله : ليس في اللواط (٢) حد ، بل فيه تعزير ، لأنه وطء لا يتعلق به المهر ، فلا يتعلق به الحد ، ولأنه لا يساوي الزنى في الحاجة إلى شرع الحد ، لأن اللواط لا يرغب فيه المفعول به طبعا ، وليس فيه إضاعة النسب ، وأيضا
فقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنى بعد إحصان ، وكفر بعد إيمان ، وقتل نفس بغير حق» (٣)
قد حظر قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث ، وفاعل ذلك خارج عن ذلك ، لأنه لا يسمى زانيا ، وأنت تعلم أنّه لم يثبت عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قضى في اللواط بشيء ، لأنّ هذا المنكر لم تكن تعرفه العرب ، ولم يرفع إليه صلىاللهعليهوسلم حادثة منه ، ولكن ثبت عنه أنه قال : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» رواه أصحاب السنن الأربعة (٤) وإسناده صحيح ، وقال الترمذي : حديث حسن.
__________________
(١) رواه السيوطي في الجامع الصغير والدر المنثور.
(٢) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ / ٣٨٩).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ٤٧) ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في حد اللوطي حديث رقم (١٤٥٦) ، وأبو داود في السنن (٤ / ١٥٣) ، كتاب الحدود ، باب فيمن عمل قوم لوط حديث رقم (٤٤٦٢) ، وابن ماجه في السنن (٢ / ٨٥٦) ، ٢٠ ـ كتاب الحدود ، ١٢ ـ باب من عمل عمل قوم لوط حديث رقم (٢٥٦١).