الحكام مكلّفون أن يجلدوا من زنى من ذكر أو أنثى مئة جلدة ، سواء المحصن منهم وغيره. لكنّ السنة القطعية فرّقت في الحد بين المحصن وغير المحصن. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن تقدّم من السلف وعلماء الأمة ، وأئمة المسلمين على أن من زنى وهو محصن فإنّه يرجم حتى يموت ، ولا نعلم خلافا في ذلك لأحد إلا بعض المبتدعة من الخوارج ، فإنّهم قالوا : إن الرجم غير مشروع ، وإنه لا فرق في الحدّ بين المحصن وغير المحصن ، وسنبيّن فساد مذهبهم إن شاء الله.
والقائلون بأن الرجم مشروع قد اختلفوا فيه ، أهو تمام ما على المحصن من العذاب ، أم هو والجلد قبله حد المحصن.
فإلى الأوّل ذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، وإلى الثاني ذهب علي رضي الله عنه وإسحاق وأهل الظاهر ، وهو رواية عن أحمد رحمهالله.
فعلى رأي الجمهور يكون المراد بالزانية في الآية الكريمة البكرين ، وتكون الآية مخصوصة بالسنة القطعية ، أو بالآية المنسوخة التلاوة «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله» على كلام فيها.
وعلى رأي أهل الظاهر ، تكون الآية باقية على عمومها ، ويكون الرجم حكما زائدا في حقّ المحصن ثبت بالسنة.
والظاهر أيضا من قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) أنّه يشمل الرقيق وغيره ، فيكون الحدّ في الجميع واحدا ، لكن قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أخرج الإماء من هذا الحكم ، فإنّ الآية نزلت فيهن ، وكذلك أخرج العبيد ، لأنّه لا فرق بين الذكر والأنثى بتنقيح المناط.
وقال بعض أهل الظاهر عموم قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) يقتضي وجوب المائة على العبد والأمة ، إلا أنه ورد النص بالتنصيف في حق الأمة ، فلو قسنا العبد عليها لزم تخصيص عموم الكتاب بالقياس ، يعني وهم لا يقولون به.
ومن الظاهرية من قال : الأمة إذا تزوجت فحدّها في الزنى خمسون جلدة لقوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ) إلخ. فإذا لم تتزوج فحدّها مئة جلدة للعموم في كلمة (الزَّانِيَةُ).
وجمهور الفقهاء على رد هذين الرأيين بما سلف لك هنا وفي سورة النساء.
وكذلك عموم قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) إلخ يشمل المسلم والكافر. غير أن الحربي لما يلتزم أحكامنا ، ولم تنله يدنا كان خارجا من هذا الحكم ، وبقي العموم فيمن عداه من المسلمين وأهل الذمة. وبهذا قال جمهور الفقهاء.
وروي عن مالك رحمهالله أن الذمي لا يجلد إذا زنى ، قيل : وهو مبنيّ على أنّ الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة.