(لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ) المراد بهم المهاجرون ، كما يدلّ عليه وصفهم بالإخراج
من الديار بغير حق ، لأنّ هذا الوصف لا ينطبق إذ ذاك إلا عليهم.
والمأذون فيه
هو القتال ، وحذف لدلالة المقام عليه.
ووصفهم بالقتال
الواقع عليهم على قراءة المبني للمفعول على حقيقته ، سواء قلنا : إنها أول آية
نزلت في القتال أم لا ، لأنّ قتال المشركين واضطهادهم لهم كان حاصلا على كل حال.
وأما وصفهم
بالقتال الواقع منهم على قراءة المبني للفاعل فعلى أنها ليست أول آية نزلت في
القتال يكون على حقيقته أيضا ، وعلى أنها أول آية نزلت فيه يكون وصفهم عند بدء
الإذن بالقتال إما على تقدير الإرادة والحرص ، أي يريدون أن يقاتلوا المشركين ، ويحرصون
على ذلك ، وإما على إرادة استحضار ما يكون منهم في المستقبل ، وحقيقة قد كانوا
حريصين كل الحرص على هذا القتال ، فإنّ الدفاع عن النفس والعقيدة والوطن أمر محبب
إلى النفوس ، لا سيما إذا كانت تعتقد أنها على الحق ، وأن خصمها على الباطل.
المعنى : لما وعد الله عزوجل في الآية السابقة المؤمنين بالدفاع وكفّ غوائل المشركين
عنهم ، وأوعد في ضمن هذا الوعد الكافرين بالقهر والخذلان ، أتبع ذلك ببيان مشروعية
الجهاد والإذن لهم في قتال أعدائهم ، مع بيان أسبابه وغايته ، للإيذان بأنّ طريق
الدفاع الموعود به عن الأولياء وسبيل القهر والخذلان الموعود به للأعداء هو إذنه
تعالى للمؤمنين في القتال ، كما يدل على ذلك قوله تعالى في الآية التالية : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ
بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) لأن القتال في سبيل الله من أعظم المواطن التي تتجلى
فيها رعاية الله وعنايته بالمؤمنين بما يفاض عليهم في تلك المواقف الرهيبة من
النصر والتأييد ، وتثبيت قلوبهم ، وإمدادهم بالأسباب الحسية والمعنوية على ما عرف
وتواتر من نفحات الله لهم في مواطن الحرب وميادين القتال.
ثم بيّن الله
تعالى سبب الإذن في القتال على سبيل الإجمال بقوله : (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) فالله تعالى أذن للمسلمين في قتال عدوهم وندبهم للجهاد
في سبيله ، لا حبا في إراقة الدماء وإزهاق الأرواح ، ولا لمجرد البطش والقهر ، كما
يزعم خصوم الإسلام ، فإنّ الإسلام دين أمن وسلام ، وبشير رحمة وطمأنينة ، ولكنه
تعالى أذن لهم لأجل أن يدفعوا ذلك الظلم الذي وقع عليهم من جانب المشركين والذي
أصابهم في أوطانهم وأنفسهم ودينهم ، فإنه صلىاللهعليهوسلم ما كاد يصدع بالأمر ، ويجهر بالدعوة ، حتى هاج هائج
قريش ، وتذمرت على المسلمين ، وأعلنوا عليهم حربا شعواء ، وأعملوا فيهم يد
الانتقام الوحشي ، لا يألون في مؤمن إلّا ولا ذمة ، (وَما نَقَمُوا
مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ