دينه ، ودليلا على طاعته ، ففي سوقها للحرم ، ونحرها هناك ، خير عظيم ؛
وثواب كبير ، يناله أصحابها في الآخرة.
وهكذا ترى أننا
قد حملنا الخير هنا على الثواب الأخروي. والمنافع فيما تقدم على حظ الدنيا ، ليكون
الكلام كما قلنا مفيدا فائدة جديدة ، وقد رتّب الله سبحانه وتعالى الأمر بذبحها ،
أو الأمر بذكر اسمه الكريم عند الذبح على ما قبله من جعلها شعائر. أو على قوله : (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) وأنه تعالى يمتنّ أيضا على عباده في هذه البدن ، فأباح
لهم إذا نحروها أن يأكلوا منها ، وأن يتصدقوا على الفقراء ، السائل منهم وغير
السائل.
ثم ختم الله
سبحانه وتعالى الآية بقوله : (كَذلِكَ سَخَّرْناها
لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ومعناه سخرنا هذه البدن ، وذللناها لكم ، وأخضعناها
لتصريفكم مع ضخامتها وقوتها التي بها ، كان يمكن أن تتأبّى عليكم فلا تعطيكم
قيادها ، أو تندّ منكم فتتأبد تأبد الوحوش. فالله جلت قدرته قد سخّرها لكم ذلك
التسخير العجيب ، وسهل لكم أن تقفوها صواف ، وأن تعقلوها ، وتضربوا في لباتها ،
فتقع على جنوبها صريعة ، وعلى هذا تكون الكاف صلة في قوله : (كَذلِكَ) ، ويكون مآل القول سخرناها لكم ذلك التسخير البديع.
ويصحّ أن تبقى
الكاف على معناها مفيدة للتشبيه ، ويكون ذلك من تشبيه الشيء بنفسه مبالغة ، كأن
ذلك التسخير بلغ في عظمه وغرابته مبلغا فاق به كلّ عجيب ، حتى إذا أريد تشبيهه
بشيء كان لا بدّ أن يردّ إلى نفسه فيشبه بها.
وقيل : إنّ
المشبه به هو تسخيرها ، حين تكون صواف معقولة إحدى القوائم ، والمشبه هو تسخيرها
من قبل في ركوبها والحمل عليها ، وغير ذلك من سائر وجوه الانتفاع.
وجملة القول :
إنّها نعمة جليلة ، ومنّة عظيمة تستوجب من العباد أن يشكروا الله عليها ، ويصرفوا
ما أنعم به عليهم في الوجوه التي رسمها لهم الدين الحنيف.
فقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تعليل لما قبله. وكلمة (لعل) فيه ليست للرجاء الذي هو
توقع الأمر المحبوب ، لأنّه مستحيل على الله تعالى من حيث أنه ينبئ عن الجهل
بعواقب الأمور. قال ابن الأنباري : إنّ لعلّ ترد بمعنى كي في لسان العرب ، واستشهد على
ذلك بقول من يراه حجة :
فقلتم لنا
كّفوا الحروب لعلّنا
|
|
نكفّ ووثقتم
لنا كلّ موثق
|
فإنّ توثيق
العهد بإنهاء الحرب لا يستقيم معه أن يكون معنى (لعلنا) الرجاء وتوقع الكف ، إنما
الذي يصلح له ذلك أن تكون لعلّ بمعنى كي.
__________________