بالصلاة من الظهيرة إلى العشاء ، وذلك أربع صلوات على حسب البيان الذي وردت به السنة العملية ، وعلى الأمر بالصلاة في الفجر ، وتلك هي الصلاة الخامسة.
ولقد أراد بعضهم أن يفهم من الأمر بإقامة الصلاة من دلوك الشمس إلى غسق الليل أنّ الله قد بين في الآيتين ثلاثة أوقات : وقت الدلوك ، ووقت الغسق ، ووقت الفجر ، ووقت الدلوك فيه صلاتان ، وهما : الظهر والعصر ، ووقت الغسق فيه صلاتان : المغرب والعشاء ، فدلّ ذلك على جواز الجمع بين الظهر والعصر ، لأنّ وقتهما الدلوك ، وجمع المغرب إلى العشاء ، لأنّهما في الغسق ، وهو استدلال عجيب ، إذ إنّ كل ما في الآية أنّها أمرت بإقامة الصلاة من دلوك الشمس إلى الغسق ، فهل هذا أمر يشغل كل هذا الوقت بالصلاة ، أو أمر بفعل الصلاة في بعض أجزائه ، وما مقدار هذا البعض؟ كل هذا خارج عن مدلول الآية ، وقد بينته السنة ، فإن كانت قد ورد فيها جمع الصلاتين ، أو الصلوات من غير عذر ، فبيانها هو الدليل ، وإن كان قد ورد فيها أن الجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا بشروط ، وفي أوقات دون أخرى ، كان ذلك هو الدليل على أن الجمع إنما يجوز بهذه الشروط.
وحيث إنه قد انجر الكلام إلى الجمع فنقول : قد روي عن ابن مسعود وابن عباس جواز جمع الظهر إلى العصر ، والمغرب إلى العشاء مطلقا ولو من غير عذر ، والجمهور على خلاف مذهبهما.
فالشافعية : يجيزون جمع التقديم والتأخير بشروط تعلم من كتبهم ، والحنفية يقولون : لا جمع إلا في الظهر والعصر جمع تقديم يوم عرفة ، والمغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة ، ويعرف ذلك من كتبهم أيضا.
(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)
(وَقُرْآنَ) معطوف على الصلاة ، أي وأقم قرآن الفجر ، وقد قال أبو بكر الرازي (١) : إنّ ذلك يدلّ على وجوب القراءة في الصلاة ، ووجه الدلالة أن الآية تدلّ على الأمر بقرآن الفجر ، ولا نعلم قراءة واجبة في الفجر إلا أن تكون القراءة في صلاة الفجر ، وقد حمل بعضهم القرآن في قوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) على الصلاة في الفجر. قال أبو بكر الرازي : وهو عدول عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل ، وذلك غريب من أبي بكر ، فإنّ الدليل هو ما قاله : من أنا لا نعلم قرآنا واجبا في ذلك
__________________
(١) أحكام القرآن للإمام الرازي (٣ / ٢٠٦).