بعد ذلك هل الصلاة عمل واحد فيكتفى بالاستعاذة في أولها ، فمن راعى أنها عمل واحد مفتتح بقراءة يقول : إنها طلبت في بدء القراءة ، وقد قالها ، فلا يكررها ، لأنّه لم يفرغ من العمل الذي بدأه بها. والآخرون يرون أنها قد رتّبت على القراءة ، وكل ركعة فيها فيبدأ قراءته في كل ركعة بالاستعاذة.
قال الله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))
في قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) وجوه من الإعراب ، أحسنها أنّ (من) مبتدأ محذوف الخبر ، يدل عليه قوله بعد ذلك (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ) والتقدير : من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب إلا من أكره إلخ.
والحذف في مثل ذلك كثير ، وجوز الرفع على القطع ، والنصب على إضمار فعل الذم ، واستبعد أبو حيان النصب على الذم.
وجوز بعضهم كون (من) بدلا من الذين لا يؤمنون بآيات الله ، ورد بأن المبدل منه مطروح من الكلام ، وهو حينئذ يقتضي أن لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه ، وأيضا هذا يتنافى مع سياق الآية الأولى ، لأنها سيقت للرد على كفار قريش ، وهم كفار أصليون.
وجوز بعضهم غير ذلك ، وأما قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) فهو استثناء متصل من (من) ، لأنّ الكفر أعمّ من أن يكون اعتقادا فقط ، أو قولا فقط ، أو اعتقادا وقولا ، ومن نطق بكلمة الكفر كافر ، واطمئنان قلبه بالإيمان أمر مبطن لا اطلاع لأحد عليه ، ولذلك صح الاستثناء ظاهرا.
(وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) أصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج ، والمراد هنا السكون والثبات على الإيمان بعد الانزعاج الحاصل بالإكراه ، وقد يستدلّ بالآية على أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، حيث اكتفي بوجود الاعتقاد ، وهو استدلال واه ، إذ إنّ من يقول : إن القول ركن الإيمان لا يعني أنه لا يسقط للضرورة ترخيصا.
(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) أنس به ، واطمأن إليه ، واعتقده ، وطابت به نفسه ، وانفسح له صدره ، و (من) شرطية ، وجوابها (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ) ، والتنوين للتهويل (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) يتناسب مع عظيم جرمهم.
وقد روي في أسباب نزول هذه الآية أنّ عمار بن ياسر وقوما كانوا أسلموا ، ففتنهم المشركون ، فثبت على الإسلام بعضهم ، وافتتن بعضهم. وقد روي أنّ عمارا أخذه بنو المغيرة ، فغطوه في بئر ميمون ، وقالوا : اكفر بمحمد ، فتابعهم على ذلك وهو كاره ، فشكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له : «كيف تجد قلبك؟» قال : مطمئنا