وأما الجلي فضربان :
أحدهما : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في المستقبل ، وذلك في الغازي وابن السبيل ، فيعطيان بقولهما بلا بينة ولا يمين ، ثم إن لم يحققا ما ادعيا ، ولم يخرجا استردّ منهما ما أخذا. وإلى متى يحتمل تأخير الخروج؟ قال السرخسي : ثلاثة أيام ، قال الرافعي : ويشبه أن يكون هذا على التقريب ، وأن يعتبر ترصده للخروج ، وكون التأخير لانتظار أو للتأهب بأهب السفر ونحوها.
الضرب الثاني : يتعلق الاستحقاق فيه بمعنى في الحال ، وهذا الضرب يشترك فيه بقية الأصناف ، فالعامل إذا ادعى العمل طولب بالبينة ، وكذلك المكاتب ، والغارم ، وأما المؤلف قلبه فإن قال : نيتي ضعيفة في الإسلام قبل قوله ، لأن كلامه يصدقه ، وإن قال : أنا شريف مطاع في قومي طولب بالبينة.
قال الرافعي : واشتهار الحال بين الناس قائم مقام البينة في كل من يطالب بها من الأصناف ، لحصول العلم أو الظن بالاستفاضة اه من «مجموع» النووي (١) بتصرف.
وقوله تعالى : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) بعد قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) إلخ جار مجرى قوله فرض الله الصدقات لهؤلاء فريضة ، فهو زجر عن مخالفة هذا الظاهر ، وتحريم لإخراج الزكاة عن هذه الأصناف (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم (حَكِيمٌ) لا يشرع إلا ما فيه الخير والصلاح للعباد.
قال الله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤))
ذكر في تفسير قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] ما رواه البخاري (٢) وغيره عن ابن عمر حين أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي. ونسوق الحديث بتمامه هنا لأنّ فيه ذكر السبب في نزول هذه الآية :
قال ابن عمر رضي الله عنهما : لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلّي عليه ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصلي عليه ، فقام عمر ، فأخذ بثوب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله أتصلّي عليه ، وقد نهاك ربك أن تصلّي
__________________
(١) يحيى بن شرف الحوراني النووي ، أبو زكريا ، محيي الدين ، علامة بالفقه والحديث تعلم في دمشق ، وأقام بها زمنا طويلا له مصنفات عدّة توفي سنة (٦٧٦ ه) انظر الأعلام للزركلي (٨ / ١٤٩).
(٢) رواه البخاري الصحيح (٥ / ٢٤٦) ، ٦٥ ـ كتاب التفسير ، باب (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) حديث رقم (٤٦٧٠).