وقد اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم من المسلمين ، فذهب الحنفية (١) إلى أنّ سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم سواء أكانوا من الكفار أم من المسلمين ، لأن المعنى الذي لأجله كانوا يعطون قد زال بإعزاز الإسلام واستغنائه عن تأليف القلوب واستمالتها إلى الدخول فيه ، وذهب إلى هذا كثير من أئمة السلف ، واختاره الروياني وجمع من متأخري أصحاب الشافعي ، وعلى هذا يكون عدد الأصناف سبعة لا ثمانية.
والمنقول عن نص الشافعي وأصحابه المتقدمين أن حكم المؤلفة قلوبهم من المسلمين لا يزال معمولا به ، وهو قول الزهري وأحمد ، وإحدى الروايتين عن مالك.
والآية في ظاهرها يشهد لهم.
واختلف القائلون بسقوط سهم المؤلفة في توجيه رأيهم ، مع أن الآية في ظاهرها جعلت للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الزكاة ، فقال صاحب «الهداية» (٢) من الحنفية : إن هذا الصنف من الأصناف الثمانية قد سقط ، وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه ، وحينئذ يكون هذا الإجماع أو مستنده ناسخا للآية في صنف المؤلفة.
وقال آخرون في وجه سقوطه : إنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته ، كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار.
الصنف الخامس : ما أشار إليه بقوله : (وَفِي الرِّقابِ)
في قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) محذوف ، والتقدير : وفي فك الرقاب. واختلف أهل العلم في تفسير (الرِّقابِ) فقال عليّ كرم الله وجهه وسعيد بن جبير والزهري والليث بن سعد والشافعي وأكثر العلماء : يصرف سهم الرقاب إلى المكاتبين.
وقال مالك وأحمد : يشترى بسهمهم عبيد ويعتقون ، ويكون ولاؤهم لبيت المال.
وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ، ولكن يعطى منها في رقبة ، ويعان بها مكاتب.
وقال بعض العلماء : يفدى من هذا السهم الأسارى.
وحجة الشافعي وموافقيه أن قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) كقوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهناك يجب الدفع إلى المجاهدين ، فكذا هنا يجب الدفع إلى الرقاب ، ولا يمكن الدفع إلى الشخص الذي يراد فك رقبته إلا إذا كان مكاتبا ، ولو اشترى بالسهم عبيدا لم يكن الدفع إليهم ، وإنما هو دفع إلى سادتهم ، وانتفاعهم بالعتق ليس تمليكا ، لأنّ العتق إسقاط.
__________________
(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ ـ ٢ / ١٢٠).
(٢) الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١ ـ ٢ / ١٢٠).