ومن تطوّع بالحج والعمرة بعد أداء حجته الواجبة. فإنّ الله شاكر له على تطوّعه ، مجاز به. عليم بقصده وإرادته. وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية :
١ ـ أخرج ابن جرير (١) عن الشعبي (٢) أن وثنا كان في الجاهلية على الصفا يسمى إساف ، ووثنا على المروة يسمّى نائلة ، وكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مسحوا الوثنين ، فلما جاء الإسلام وكسّرت الأوثان. قال المسلمون : إن الصفا المروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين ، وليس الطواف بهما من الشعائر قال : فأنزل الله أنهما من الشعائر.
٢ ـ وروى ابن شهاب عن عروة قلت لعائشة رضي الله عنها : أرأيت قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) فو الله ما على أحد جناح أن لا يطّوف بهما. قالت عائشة رضي الله عنها : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما تأولتها لكان : فلا جناح عليه إلا يطوف بهما ، إنما كان هذا من الأنصار قبل أن يسلموا ، يهلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل ، فكان من أهلّ لمناة ، يتحرج أنّ يطوف بالصفا والمروة ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، فقالوا : يا رسول الله إنا كنّا نتحرج أن نطوّف بالصفا والمروة. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ...) ثمّ سنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بينهما قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لأبي بكر ابن عبد الرحمن ، فقال : إنّه العلم ، أي ما سمعت به (٣).
الأحكام
اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة على أقوال :
١ ـ فقيل : إنه ركن ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وهو مشهور مذهب مالك ، فمن لم يسع كان عليه حج قابل.
٢ ـ وقيل : ليس بركن ، بل هو سنة. وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول في مذهب مالك ، قال في «العتبية» (٤) يجزئ تاركه الدم.
٣ ـ وقيل هو تطوع ، ولا شيء على تاركه.
احتجّ من جعله ركنا بما روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان يسعى ويقول : «اسعوا فإنّ الله كتب
__________________
(١) ابن جرير الطبري ، جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٢ / ٢٨).
(٢) عامر بن شراحيل الحميري من كبار التابعين توفي سنة (١٠٣) في الكوفة انظر الأعلام للزركلي (٣ / ٢٥١).
(٣) رواه البخاري في الصحيح كتاب الحج باب وجوب الصفا والمروة حديث رقم (١٦٤٣).
(٤) مؤلف في فقه المالكية لمحمد بن أحمد العتيبي.