قال : «كان فيما نزل من القرآن الشّيخ والشّيخة إذا زنيا فارجموهما» (١) وقد نسخت التلاوة وبقي الحكم.
وقد يكون النسخ للحكم مع بقاء التلاوة ، وهو كثير. كآية الوصية ، وآية العدة وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وقد يكون النسخ للحكم والتلاوة معا ، كما روي عن عائشة رضي الله عنها «كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ثم نسخ بخمس رضعات معلومات يحرّمن» (٢) والجزء الأول منسوخ الحكم والتلاوة ، والجزء الثاني وهو الخمس منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
ثم إنّ الخلاف في أنّ القرآن ينسخ بغير بالقرآن ، والخبر المتواتر بغير المتواتر أو لا؟
فقد منع الشافعي رضي الله عنه نسخ القرآن بغير القرآن مستدلا بهذه الآية (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) ودلالتها من وجوه :
الأول : أنه قال (نأت) وأسند الإتيان إلى نفسه ، وهو لا يكون إلا إذا كان الناسخ قرآنا.
الثاني : أنه قال : (بخير) ولا يكون الناسخ خيرا إلا إذا كان قرآنا.
والثالث : أنه قال : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ويدخل في ذلك النسخ ، بل إنما سيقت الآية له ، فالنسخ لا بد أن يكون لله.
والرابع : وهو أقوى أدلته قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) إلى آخر الآية [النحل : ١٠١] حيث أسند التبديل إلى نفسه وجعله في الآيات.
وهو استدلال غير واضح ، فإنّه لا معنى لأن يكون لفظ الآية خيرا من لفظ آية أخرى ، إنما الخيرية تكون بين الأحكام ، فيكون الحكم الناسخ خيرا من الحكم المنسوخ بحسب ما علم الله من اشتماله على مصالح العباد بحسب أوقاتها وملابساتها ، وإذا كان الأمر كذلك فالمدار على أن يكون الحكم الناسخ خيرا ، أيّا كان الناسخ قرآنا أو سنة ، والكل من عند الله ، (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣)) [النجم : ٣].
على أنه قد وقع نسخ القرآن في آية الوصية بحديث «لا وصية لوارث» ، وتمام البحث مستوفى في علم الأصول.
بقي أن يقال : إن تعريف النسخ الذي ذكرتموه لا يتناول نسخ التلاوة فنقول : إن التعبد بالتلاوة حكم من الأحكام.
__________________
(١) رواه مالك في الموطأ (٢ / ١٦٨).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٧٥) ، ١٧ ـ كتاب الرضاع ، ٦ ـ باب التحريم بخمس حديث رقم (٢٤ / ١٤٥٢).