الأرض مسجدا وطهورا» (١) ولكنّ هذا يجب أن يحمل على ما جاء في الروايتين الأخريين جمعا بين الروايات.
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً).
هذا بيان لكيفية التيمم ، وقد اختلف فيها فقهاء الأمصار ، فذهب الحنفية والمالكية والشافعية والثوري والليث إلى أن التيمم ضربتان ، ضربة للوجه يمسحه بها ، وضربة لليدين يمسحهما بها إلى المرفقين ، وهو مرويّ عن جابر وابن عمر.
وقال الأوزاعي : تجزئ ضربة واحدة للوجه والكوعين.
وقال الزهري : ويمسح يديه إلى الإبط.
وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح : يتيمم بضربتين ، يمسح بكل واحدة منهما وجهه وذراعيه ومرفقيه ، وقد نقل أبو جعفر الطحاوي فيما رواه الجصاص عنه أنّ هذا الرأي لم يعرف عن غيرهما.
وقد جاء في السنة ما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور ، فقد روي عن ابن عمر (٢) وابن عباس (٣) عن النبي صلىاللهعليهوسلم في صفة التيمم أنه ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين.
وقد يقال : إنّ ظاهر قوله : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) يقتضي مسح البعض كما دلّ على ذلك قوله في الوضوء : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] إذ الباء تقتضي التبعيض ، إلا أن الفقهاء قد اتفقوا على أنه لا يجوز له الاقتصار على القليل ، وأن عليه مسح الكثير ، بل ذكر الكرخي من الحنفية أنه إن ترك شيئا قليلا أو كثيرا لم يجزئه ، وقد جاءت الباء في قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩] ولا يجوز الاقتصار في الطواف على بعض البيت فما هنا من هذا القبيل.
هذا وقد عرض المفسرون هنا إلى أنّ التيمم هل يكفي لصلوات متعددة ما دام فاقدا للماء أم لا؟
ونحن نرى أنّ الآية التي نحن بصدد تفسيرها لا يستفاد منها شيء من هذا لا نفيا ولا إثباتا ، وإنما ذلك يستفاد من أدلة أخرى تطلب في كتب الفقه.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) يعفو عما كان منكم من قيامكم للصلاة وأنتم سكارى ، ويستر ذنوبكم ، فلا تعودوا لمثلها فيعود عليكم إثمه وعذابه.
__________________
(١) المرجع نفسه (٥ / ٥٢٣).
(٢) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (١ / ١١٤).
(٣) المرجع نفسه (١ / ١١٣).