وذهب بعض البصريين إلى أنّ الفعل مؤوّل بمصدر من غير سابك ، على حد «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» والتقدير : إرادة الله كائنة للتبيين.
وذهب الكوفيون إلى أنّ اللام ناصبة للفعل ، وأنها تقوم مقام أن في فعل الإرادة والأمر ، فيقال : أردت أن تذهب ، وأردت لتذهب ، وأمرتك أن تقوم ، وأمرتك لتقوم ، وعليه قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) [الصف : ٨] يعني يريدون أن يطفئوا ، ومثله (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام : ٧١] أي أمرنا أن نسلم.
والمعنى : يريد الله بإنزال هذه الآيات أن يبيّن لكم التكاليف ، ويميّز فيها الحلال من الحرام والحسن من القبيح.
(وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي يهديكم مناهج من تقدّمكم من الأنبياء الصالحين ، لتقفوا أثرهم ، وتهتدوا بهداهم ، وليس المراد أنّ جميع ما شرع لنا من الحلال كان مشروعا بعينه للأمم السابقين كذلك ، بل المراد أنّ الله كما قد شرع للأمم السابقين من الأحكام ما بهم حاجة إليه ، وما اقتضته مصالحهم ، كذلك شرع لنا ما بنا الحاجة إليه ، وما تدعو إليه مصالحنا ، فإنّ الشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة في أنفسها إلا أنها متفقة في باب المصالح.
(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) التوبة ترك الذنب ، مع الندم والعزم على عدم العود ، وذلك مما يستحيل إسناده إلى الله تعالى ، فلا بد من تأويل فيه ، فإما أن يراد من التوبة المغفرة مجازا لتسببها عنها ، وذلك مراد من قال : معنى (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) يقبل توبتكم ، وإما أن يراد من التوبة الإرشاد إلى ما يمنع عن المعاصي أو الإرشاد إلى ما يكفّرها.
واختار المحققون من العلماء أن الخطاب ليس عاما لجميع المكلفين ، بل لطائفة معيّنة قد تاب الله عليهم في نكاح الأمهات والبنات ، وسائر المنهيات المذكورة في هذه الآيات ، وحصلت لهم هذه التوبة بالفعل.
والذي دعاهم إلى تخصيص هذا الخطاب أنه لو كان عاما لعارضه تخلف المراد عن الإرادة ، وهي علّة تامة ، فلا يدفع هذا التعارض إلى تخصيص الخطاب.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعني والله ذو علم شامل لجميع الأشياء ، فيعلم ما شرع لكم من الأحكام ، وما سلكه المهتدون من الأمم قبلكم ، وما ينفع عباده المؤمنين وما يضرهم ، وهو حكيم يراعي في جميع أفعاله الحكمة والمصلحة ، فيبيّن لمن يشاء ، ويهدي من يشاء ، ويتوب على من يشاء.
قال الله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧))
الجملة الأولى مؤكّدة لقوله تعالى : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) والمراد بالذين يتبعون