مسافحين : زناة ، من السفاح وهو الزنى ، مأخوذ من السفح ، وهو صب الماء ، لأنّ الزاني لا غرض له من فعلته إلا ذلك.
(أَنْ تَبْتَغُوا) مفعول لأجله ، أي : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) إرادة (أَنْ تَبْتَغُوا) السناء (بِأَمْوالِكُمْ) حالة كونكم أعفّاء غير زناة ، فلا تضيّعوا أمولكم في الزنى ، فتذهب أموالكم ، وتفتقروا ، ويجوز أن يكون قوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) بدلا من قوله : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) ،
واسم الإشارة في قوله : (ذلِكُمْ) يرجع إلى المحرّمات المذكورة قبل ، وقد اعترض على ذلك بأنّ هذا يقتضي أنّ المحرمات هي من ذكرن ، وأنّ من عداهن حلال ، مع أنه قد ثبت حرمة نساء غير من ذكرن ، وذلك كالمبتوتة ، وما زاد على الرابعة ، والملاعنة ، والجمع بين المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها.
أما الجمع بين المرأة وعمتها فقد فهم تحريمه من قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) بطريق القياس ، لأنّ العلة في تحريم الجمع هي القرابة القريبة ، فكلّ من بينهما قرابة قريبة حرم الجمع بينهما ، فجاز أن يقال : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي من ذكرن أي إما بطريق النص ، أو بطريق القياس.
ومن يجوّز تخصيص القرآن بخبر الواحد المشهور يقول : إنّ آية الحلّ خصّصت بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا المرأة على خالتها» (١).
وأما البقية : غير الملاعنة فقد خصّصت آيات تحريمهن آية (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ).
وأما الملاعنة فقد خصّص الآية قوله صلىاللهعليهوسلم فيها : «المتلاعنان إذا تفرّقا لا يجتمعان قبل موته».
(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (ما) واقعة على الاستمتاع ، والعائد في الخبر محذوف ، أي فآتوهن أجورهن عليه. كقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)) [الشورى : ٤٣] أي منه ، ويجوز أن تكون واقعة على النساء ، وأعاد الضمير في (به) عليها باعتبار اللفظ ، وفي (مِنْهُنَ) باعتبار المعنى ، وقوله : (فَرِيضَةً) معمول لفرض محذوف ، والمراد بالأجور المهور ، لأنها في مقابلة الاستمتاع ، فسميت أجرا.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) من حطّ لكله أو بعضه ، أو زيادة عليه.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ١٠٢٨) ، كتاب النكاح ، ٤ ـ باب تحريم المرأة وعمتها وخالتها حديث رقم (٣٣ / ١٤٠٨).