الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه ، فإذا مات وترك امرأته ، فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه ، فهو أحقّ بها أن ينكحها بمهر صاحبه ، أو ينكحها فيأخذ مهرها ، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهم أحقّ بنفسها.
وعلى ذلك يكون المعنى : لا يحل لكم أن ترثوا آباءكم وأقاربكم نكاح نسائهم وهن لذلك كارهات.
وأخرج ابن جرير (١) عن الزهري في قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) قال : نزلت في ناس من الأنصار كانوا إذا مات الرجل منهم فأملك الناس لامرأته وليّه ، فيمسكها حتى تموت فيرثها ، فنزلت فيهم.
على هذا يكون المعنى : لا يحل لكم إذا مات أولياؤكم أن تمسكوا نساءهم حتى يمتن فترثوهن.
والظاهر الأول ، لأن مآل الثاني بيان أنهم ليسوا من ورثتها ، وذلك معلوم من آيات الميراث ، فإنها بيّنت من ترث ، بخلاف حمله على المعنى الأول ، فإنه يؤدي معنى جديدا.
وقرئ كرها وكرها بالفتح والضم ومعناهما واحد ، وقيل : الكره بالضم المشقة وبالفتح الإكراه.
النعمة الثانية من نعم الشريعة الإسلامية على النساء : كانوا إذا تزوج أحدهم امرأة وكرهها حبسها وعضلها ، حتى تفتدي منه ، فنهوا عن ذلك إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، فيجوز حبسها ، والفاحشة قيل : هي الزنى ، وقيل النشوز ، والأولى أن تعم كل ذلك.
وأخرج ابن جرير (٢) عن ابن عباس قوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) يقول : لا تقهروهن (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) يعني : الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ، ولها عليه مهر ، فيضربها لتفتدي.
وقال آخرون : إنّ الذين نهوا عن العضل هم أولياء الميت الذين يرثون وقال آخرون : إنهم أولياء المرأة ، وهذا ليس بظاهر ، لأنّ أولياءها لم يؤتوها شيئا ، والله يقول : لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.
وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) يحتمل أن يكون مجزوما على النهي ، ويحتمل أن يكون معطوفا على (تَرِثُوا).
__________________
(١) المرجع نفسه (٤ / ٢٠٩).
(٢) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٢ / ٢١٠).