أَوْلِياءَ) [الممتحنة : ١] (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١].
وأما الموالاة بمعنى المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر ، مع عدم الرضا عن حالهم فذلك غير منهيّ عنه ، والموالاة لهم بمعنى الرضا بكفرهم ومصاحبتهم لذلك كفر ، لأنّ الرضا بالكفر كفر ، فلا يبقى المرء مؤمنا ، مع كونه بهذه الصفة.
(مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) حال من الفاعل ، أي متجاوزين المؤمنين إلى الكفار استقلالا أو اشتراكا. فالظرف لا مفهوم له ، لأنّه لبيان الواقع ، فقد ورد في قوم مخصوصين حصلت منهم الموالاة للكفار دون المؤمنين ، وقيل : الظرف في حيّز الصفة لأولياء.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) الاتخاذ ، وإنما عبّر بالفعل للاختصار ، أو لإبهام الاستهجان بذكره ، وجواب الشرط (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) وفي الكلام حذف مضاف ، أي (فَلَيْسَ مِنَ) ولاية (اللهِ فِي شَيْءٍ) أو من دين الله ، وتنوين (شَيْءٍ) للتحقير ، وذلك لأنّ موالاة المتضادين لا تكاد توجد.
قال الشاعر :
تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني |
|
صديقك ، ليس النّوك عنك بعازب |
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال ، والعامل فيه (لا يَتَّخِذِ) فلا تتخذوهم أولياء في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم.
وقيل : استثناء مفرّغ من المفعول لأجله ، فالمعنى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء لشيء من الأشياء إلا للتقية (مِنْهُمْ) من جهتهم ، (تُقاةً) مفعول به ، أي شيئا يتّقى منه ، فالجار والمجرور حال من تقاة ، حيث تقدّم عليها ، والمعنى : إلا أن تتقوا شيئا يتّقى منه حاصلا من جهتهم ، كالقتل وسلب المال مثلا أو (تُقاةً) بمعنى اتقاء ، فتكون مفعولا مطلقا ، و (تُقاةً) متعلقة به في مكان المفعول الأول ، والمفعول الثاني محذوف للعلم به ، وعدّي بمن ، لأنه بمعنى خاف ، فالمعنى إلا أن تخافوا منهم ضررا خوفا.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) إي عقاب نفسه ، وفي ذلك تهديد عظيم مشعر بتناهي الاتخاذ في القبح ، حيث ربط التحذير بنفسه ، لأنه لو حذف وقيل : ويحذركم الله ، فإنه لا يفيد صدور العقاب من الله ، بل يحتمل أن يكون منه تعالى ، وأن يكون من غيره. فلمّا قال : (نَفْسَهُ) علم أنّه صادر منه تعالى ، وذلك أعظم أنواع العقاب لكونه تعالى قادرا على ما لا نهاية له ، ولا قدرة لأحد على رفعه أو منعه مما أراد.
(وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) المرجع ، والإظهار لتربية الروعة والمهابة في النفوس ، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها.