وقال الشافعية : إنّ العلة في الذهب والفضة هي اتحاد الجنس مع الثمنيّة. وفي الأشياء الأربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم ، والتفاصيل في أمر الربا تعلم من كتب الفقه.
سبب تحريم الربا
١ ـ إنّه يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض ، وهو شنيع ممنوع ، لأنّ المال شقيق الروح ، فكما يحرم إزهاق الروح من غير حقّ ، يحرم أخذ المال من غير حق.
٢ ـ إنّه يفضي إلى امتناع الناس عن تحمّل المشاقّ في الكسب والتجارة والصناعة ، وهو يؤدي إلى انقطاع مصالح الخلق.
٣ ـ إنّه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض الحسن ، ويمكّن الغني من أخذ مال الفقير الضعيف من غير مقابل ، وهو لا يجوز برحمة الرحيم.
ولا وجه للتمسك بما يقال : إن رأس المال لو بقي في يد صاحبه لاستفاد منه ربحا بسبب التجارة فيه ، فما تركه في يد المدين لم يكن هناك بأس في أن يدفع إلى ربّ المال مالا زائدا عوضا عن انتفاعه بماله ، لأنّه يمكن دفعه بأن الذي يذكرونه أمر موهوم ، قد يحصل وقد لا يحصل ، والمال الزائد ملك للفقير على وجه اليقين ، فتفويت المتيقّن لأمر موهوم إضرار بالضعيف ، وهو لا يجوز.
المعنى : الذين يأخذون الربا ؛ ويقتطعونه من أموال الناس بغير حق ؛ لا يقومون من القبور يوم القيامة ؛ إلا قياما كقيام الشخص الذي يضربه الشيطان على غير اعتدال ، بسبب المسّ ، أي الجنون الذي أصابه ، وهذا التمثيل وارد على ما يزعم العرب من أنّ الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه ، ويمسّه يختلط عقله ، وذلك السوء الذي يعتريهم عند قيامهم ؛ بسبب أنهم تعاملوا بالربا ، وبالغوا في استباحته ؛ حتى قالوا : إنما البيع مثل الربا ، قد اعتبروا الربا أصلا في الإباحة يقاس عليه البيع : فيجوز بيع درهم بدرهمين ، كما يجوز بيع ما قيمته درهم بدر همين ، مع وضوح الفرق بينهما ، فإنّ أحد الدرهمين في الأول ضائع حتما ، والثاني منجبر بالاحتياج إلى السلعة ، أو يتوقّع رواجها.
(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) لما في الأول من وجوه الجابر ، وفي الثاني : من الإضرار المحتّم.
(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي تذكرة يذكّره فيها بحكمه تعالى فاتعظ بلا تراخ ، واتبع النهي الوارد ، فله ما تعامل به فيما سلف ، ولا يستردّ منه ، وأمر جزائه موكول إلى الله.
(وَمَنْ عادَ) إلى استحلاله (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) ماكثون أبدا.