للمرأة أن تتزوج دون رضى وليها ، ولم يكن للولي شأن لما كان معنى لنهي
الأولياء عن أن يعضلوا النساء.
كان مقتضى
الظاهر أن يقال : (ذلكم يوعظ به) ، لأنه يخاطب الجماعة ، وإنما قال : (ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ) لكثرة جري ذلك على ألسن العرب في منطقها وكلامها ، حتى
صارت الكاف بمنزلة حرف من حروف الكلمة. أي ما ذكرته من نهي الأولياء عن عضل النساء
عظة مني لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر (ذلِكُمْ أَزْكى
لَكُمْ وَأَطْهَرُ) من أدناس الآثام. وقيل : (أَزْكى لَكُمْ
وَأَطْهَرُ) : أفضل وأطيب ، (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما في ذلك من الزكاة والطّهر (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
قال الله تعالى
: (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ
لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ
تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما
آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣))
لما ذكر الله
الطلاق ، وبيّن أن به الفراق ، ولما كانت المطلّقات قد يكون لهن أولاد رضّع ،
وربما ضاعوا بين كراهة الأزواج وعنت المطلقات ، احتاط الله للأولاد فأوصى بهم
الوالدات ، فجعلهنّ يرضعنهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وجعل على
الآباء كسوة الوالدات ونفقتهنّ مدّة الرضاع بالمعروف لا يكلف الآباء إلا وسعهم ،
ونهى أن تضارّ الوالدة الوالد بسبب ولدها ، وهو أن تعنته به ، وتطلب منه ما ليس من
النفقة والكسوة ، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد ، وأن تقول بعد ما ألفها
الصبيّ : اطلب له ظئرا ، وما إلى ذلك.
ونهى أيضا أن
يضارّ الوالد الوالدة بسبب ولده ، وذلك أن يمنعها شيئا مما وجب عليه من رزقها
وكسوتها ، وأن يأخذه منها ، وهي تريد إرضاعه ، وأن يكرهها على الإرضاع. واحتاط ،
فجعل أقرباء الصبي يقومون مقام الوالد عند فقد الوالد في العناية بشأن الصبي.
ثم بيّن أنّ
الوالدين إن أرادا فطام الصبي قبل العامين عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ،
بعد أن يكون ذلك نظرا لمصلحة الصبي. ثم أجاز أن يسترضعوا أولادهم المرضعات ، ولما
كانت حالة الفراق مع وجود الأولاد الرضّع حالة يكثر فيها النزاع والشقاق ، أمر
بتقوى الله ، وأعلمهم أنّ الله بصير بما يعملون ، فيجازيهم عليهم.
وهذا كله نظر
من الله للصبيّ ، لأنه عاجز عن تحصيل النفع لنفسه ، ودفع الضرر عنها. وهذا من تمام
لطف الله ورحمته ، وقد اخترنا أن تكون الوالدات مرادا بهن
__________________