وقوله سبحانه : (حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...) الآية : من أهل العلم من يرى أنّ كل مصائب الدنيا ، فإنما هي بمعاصي العبيد ، وينتزع ذلك من غير ما آية في القرآن ، فيستقيم على قوله ؛ أنّ كلّ حرث تحرقه ريح ، فإنما هو لمن قد ظلم نفسه ، والضمير في قوله : (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) للكفّار الذين تقدّم ضميرهم في (يُنْفِقُونَ) ، وليس هو للقوم ذوي الحرث.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(١١٩)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً) ، أي : لا تتّخذوا من الكفّار ، واليهود ، والمنافقين أخلّاء تأنسون بهم في الباطن ، وتفاوضونهم في الآراء.
وقوله سبحانه : (مِنْ دُونِكُمْ) ، يعني : من دون المؤمنين.
وقوله سبحانه : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) : معناه : لا يقصّرون لكم فيما فيه فساد عليكم ، تقول : ما ألوت في كذا ، أي : ما قصّرت ، بل اجتهدتّ ، والخبال : الفساد ، قال ابن عبّاس : كان رجال من المؤمنين يواصلون رجالا من اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم في الجاهليّة ، فنزلت الآية في ذلك (١) ، وقال ابن عبّاس أيضا ، وقتادة ، والرّبيع ، والسّدّيّ : نزلت في المنافقين (٢).
قال ع (٣) : ويدخل في هذه الآية استكتاب أهل الذّمّة ، وتصريفهم في البيع والشّراء ، ونحو ذلك ، و «ما» في قوله : (ما عَنِتُّمْ) : مصدرية ، فالمعنى : ودّوا عنتكم ، والعنت : المشقّة والمكروه يلقاه المرء ، وعقبة عنوت ، أي : شاقّة.
قال ص : قال الزجّاج (٤) : عنتكم ، أي : مشقّتكم ، وقال ابن جرير (٥) : ضلالكم ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٠٧) برقم (٧٦٧٨) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٤٤) ، وابن عطية (١ / ٤٩٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٨) ، وعزاه لابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٤٠٧ ، ٤٠٨) برقم (٧٦٨٠ ـ ٧٦٨٤) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٤٩٦)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٩٦)
(٤) ينظر : «معاني القرآن» (١ / ٤٦٢)
(٥) ينظر : «تفسير الطبري» (٣ / ٤٠٨)