ومما يدخل في ضمن قوله سبحانه : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) ؛ أن يكون المرء مغتنما للخمس ؛ كما قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحّتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، وغناك قبل فقرك» (١) ؛ فيكون متى أراد أن يصنع خيرا ، بادر إليه ، ولم يسوّف نفسه بالأمل ، فهذه أيضا مسارعة في الخيرات ، وذكر بعض النّاس قال : دخلت مع بعض الصّالحين في مركب ، فقلت له : ما تقول (أصلحك الله) في الصّوم في السّفر؟ فقال لي : إنها المبادرة ، يا ابن الأخ ، قال المحدّث : فجاءني ، والله ، بجواب ليس من أجوبة الفقهاء.
قال ص : قوله : (مِنَ الصَّالِحِينَ) : «من» : للتبعيض ، ابن عطية : ويحسن أيضا أن تكون لبيان الجنس ، وتعقّب بأنه لم يتقدّم شيء فيه إبهام ، فيبين جنسه. ا ه.
(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١١٦)
وقوله تعالى : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) ، أي : فلن يعطى دونكم ، فلا تثابون عليه ، وفي قوله سبحانه : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) : وعد ووعيد.
(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١١٧)
وقوله تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ ...) الآية : وقع في الآية التشبيه بين شيئين وشيئين ، وترك من كلّ منهما ما دلّ عليه الكلام ، وهذه غاية الإيجاز والبلاغة ، وجمهور المفسّرين على أن (يُنْفِقُونَ) يراد به الأموال التي كانوا ينفقونها في التحنّث ، أي : يبطلها كفرهم ؛ كما تبطل الريح الزرع ، والصّرّ : البرد الشديد المحرق لكلّ ما يهبّ عليه ، والحرث : شامل للزرع والثمار.
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٤ / ٣٠٦) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٢٦٣) رقم (١٠٢٤٨) من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا.
وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» رقم (٢) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٤ / ١٤٨) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٢٦٣) رقم (١٠٢٥٠) ، والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٢٧٦ ، ٢٧٧ ـ بتحقيقنا) عن عمرو بن ميمون الأودي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم مرسلا.
والمرسل ذكره الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (٤ / ٤٤٣) ، وعزاه لأحمد في «الزهد» ، وقال : بإسناد حسن.