مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(١١٢)
وقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...) الآية : اختلف في تأويل هذه الآية.
فقيل : نزلت في الصحابة ، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم : الآية خطاب لجميع الأمة ؛ بأنهم خير أمة أخرجت للنّاس (١) ؛ ويؤيّد هذا التأويل كونهم شهداء على النّاس. وأمّا قوله : «كنتم» ؛ على صيغة المضيّ ؛ فإنها التي بمعنى الدّوام ؛ كما قال تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٧٣] وقال قوم : المعنى : كنتم في علم الله ، وهذه الخيريّة التي خصّ الله بها هذه الأمّة ، إنما يأخذ بحظّه منها من عمل بهذه الشّروط من الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، والإيمان بالله ؛ ممّا جاء في فضل هذه الأمّة ما خرّجه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة» وفي رواية : «السّابقون يوم القيامة ، ونحن أوّل من يدخل الجنّة» وفي رواية : «نحن الآخرون من أهل الدّنيا ، والأوّلون يوم القيامة ، المقتضي لهم قبل الخلائق» ، وفي رواية : «المقضيّ بينهم» (٢). ا ه.
وخرّج ابن ماجه ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «نحن آخر الأمم ، وأوّل من يحاسب ، يقال : أين الأمّة الأمّيّة ونبيّها ، فنحن الآخرون الأوّلون» (٣) ، وفي رواية عن ابن عبّاس : «فتفرّج لنا الأمم عن طريقنا ، فنمضي غرّا محجّلين من آثار الطّهور ، فتقول الأمم : كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّها» (٤) ، وخرّجه أيضا أبو داود الطّيالسيّ في مسنده بمعناه. ا ه من «التذكرة» (٥).
وروى أبو داود في سننه ، قال : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن أبي
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» بنحوه (٣ / ٣٩١) ، ولفظه «قال : قد كان ما تسمع من الخير في هذه الأمة» ، والأثر ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٨٩)
(٢) أخرجه مسلم (٢ / ٥٨٥) ، كتاب «الجمعة» ، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ، حديث (١٩ / ٨٨٥)
(٣) أخرجه ابن ماجة (٢ / ١٤٣٤) ، كتاب «الزهد» ، باب صفة أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، حديث (٤٢٩٠).
وقال البوصيري في «الزوائد» (٣ / ٣١٧) : هذا إسناد صحيح ؛ رجاله ثقات.
(٤) أخرجه أحمد في «مسنده» (١ / ٢٨٢)
(٥) ينظر : «التذكرة» للقرطبي (١ / ٣٧٧)