قال ع (١) : قال أهل العلم : وفرض الله سبحانه بهذه الآية الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، وهو من فروض الكفاية (٢) ، إذا قام به قائم ، سقط عن الغير ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا ، فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع ، فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان (٣) والناس في الأمر بالمعروف وتغيير المنكر على مراتب ، ففرض العلماء فيه تنبيه الولاة ، وحملهم على جادّة العلم ، وفرض الولاة تغييره بقوّتهم وسلطانهم / ، ولهم هي اليد ، وفرض سائر الناس رفعه إلى الولاة والحكّام بعد النّهي عنه قولا ، وهذا في المنكر الذي له دوام ، وأما إن رأى أحد نازلة بديهيّة من المنكر كالسّلب والزّنا ونحوه ، فيغيّرها بنفسه ، بحسب الحال والقدرة ، ويحسن لكلّ مؤمن أن يعتمل في تغيير المنكر ، وإن ناله بعض الأذى ؛ ويؤيّد هذا المنزع أنّ في قراءة عثمان وابن مسعود ، وابن الزّبير : «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويستعينون الله على ما أصابهم» (٤) ، فهذا وإن لم يثبت في المصحف ، ففيه إشارة إلى التعرّض لما يصيب عقيب الأمر والنهي ؛ كما هو في قوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) [لقمان : ١٧].
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٨٦)
(٢) «الفرض» و «الواجب» عند غير الحنفية لفظان مترادفان اصطلاحا على مفهوم واحد ، هو الفعل الذي طلبه الشارع من المكلف طلبا جازما ، سواء كان الطلب بدليل قطعي كالكتاب والسنة المتواترة ، أو كان بدليل ظني كخبر الآحاد ، ومن هنا يمكن أن نقول :
ينقسم الواجب باعتبار فاعله إلى فرض عين ، وفرض كفاية ، وفرض الكفاية :
هو الفعل الذي طلب الشارع حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله. ومعناه : أن فرض الكفاية هو الفعل المطلوب حصوله في الجملة ، أي من غير نظر بالإصالة إلى الفاعل ، وإنما المنظور إليه أولا وبالذات إنما هو الفعل. أما الفاعل ، فلا ينظر إليه إلا تبعا للفعل ضرورة توقف حصوله على فاعل. ولذا كان فعل البعض كافيا في تحصيل المقصود منه والخروج عن عهدته ، ومن هنا سمي «فرض كفاية».
(٣) أخرجه مسلم (١ / ٦٩) في الإيمان : باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ، (٧٨ ـ ٧٩) (٤٩) ، وأبو داود (١ / ٣٦٦) في الصلاة : باب الخطبة يوم العيد (١١٤٠) ، و (٢ / ٥٢٦) ، في الملاحم : باب الأمر والنهي (٤٣٤٠) ، والترمذي (٤ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨) في الفتن : باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب (٢١٧٢) ، والنسائي (٨ / ١١١ ـ ١١٢) في الإيمان : باب تفاضل أهل الإيمان ، وابن ماجة (٢ / ٤٠٦) ، في إقامة الصلاة : باب ما جاء في صلاة العيدين (١٢٧٥) ، وأحمد (٣ / ٢٠ ، ٤٩ ، ٥٢ ـ ٥٣) ، والبيهقي (٣ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧) ، (٦ / ٩٤ ـ ٩٥) ، (٧ / ٢٦٦) ، (١٠ / ٩٠) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا به.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٨٦) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٢٤)