القاف والباء ـ ، واختلف في معناه ، فقال بعضهم : هو بمعنى «قبل» بكسر القاف ، أي : مواجهة ؛ كما تقول : قبل ودبر.
وقال الزّجّاج والفرّاء : هو جمع قبيل ، وهو الكفيل ، أي وحشرنا عليهم كلّ شيء كفلاء بصدق محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقال مجاهد وغيره : هو جمع قبيل ، أي : صنفا صنفا ، ونوعا نوعا (١) ، والنصب في هذا كلّه على الحالة ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ، أي : يجهلون في اعتقادهم أن الآية تقتضي إيمانهم ، ولا بدّ ، فيقتضي اللفظ أنّ الأقلّ لا يجهل ، فكان فيهم من يعتقد أنّ الآية لو جاءت لم يؤمن إلا من شاء الله منه ذلك ، قلت : وقال مكّيّ : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) ، أي : في مخالفتك ، وهم يعلمون أنّك نبيّ صادق فيما جئتهم به ، وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يداعب أبا سفيان بعد الفتح بمخصرة في يده ، ويطعن بها أبا سفيان ، فإذا أحرقته ، قال : نحّ عنّي مخصرتك ، فو الله ، لو أسلمت إليك هذا الأمر ، ما اختلف عليك فيه اثنان. فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أسألك بالّذي أسلمت له ، قتالك إيّاي عن أيّ شيء كان؟ فقال له أبو / سفيان : تظنّ أنّي كنت أقاتلك تكذيبا منّي لك ، والله ، ما شككت في صدقك قطّ ، وما كنت أقاتلك إلّا حسدا منّي لك ، فالحمد لله الّذي نزع ذلك من قلبي ، فكان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يشتهي ذلك منه ، ويتبسّم». انتهى من «الهداية».
وقوله سبحانه : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ...) الآية : تتضمّن تسلية النبيّ صلىاللهعليهوسلم وعرض القدوة عليه ، أي : هذا الذي امتحنت به ، يا محمّد ، من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ؛ ليبتلي الله أولي العزم منهم ، و (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) : يريد : المتمردين من النوعين ، و (يُوحِي) : معناه : يلقيه في اختفاء ، فهو كالمناجاة والسّرار ، و (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) : محسّنه ومزيّنه بالأباطيل ؛ قاله عكرمة ومجاهد (٢) ، والزخرفة ؛ أكثر ما تستعمل في الشرّ والباطل ، و (غُرُوراً) : مصدر ، ومعناه يغرّون به المضلّلين ، والضمير في (فَعَلُوهُ) عائد على اعتقادهم العداوة ، ويحتمل على «الوحي» الذي تضمّنه (يُوحِي).
وقوله سبحانه : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) : لفظ يتضمّن الأمر بالموادعة ، وهو منسوخ ؛
__________________
(١) أخرجه الطبري (٥ / ٣١٢ ، ٣١٣) برقم (١٣٧٦٤ ، ١٣٧٦٥) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٣٥) ، وابن كثير (٢ / ١٦٥) ، والسيوطي (٣ / ٧٣) وعزاه لأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٣١٥ ، ٣١٦) برقم (١٣٧٧٨) عن عكرمة ، وبرقم (١٣٧٨٠ ، ١٣٧٨١) عن مجاهد ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٣٦) ، والسيوطي (٣ / ٧٤) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي نصر السجزي في «الإبانة» ، وأبي الشيخ عن مجاهد.