ذكّروهم ذكرى ، وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين ، وأهل الجدل والخوض فيه ، وحكى الطبريّ (١) ، عن أبي جعفر ؛ أنه قال : «لا تجالسوا أهل الخصومات ؛ فإنّهم الّذين يخوضون في آيات (٢) الله» ، وفي الحديث ، عنه صلىاللهعليهوسلم : «أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة لمن ترك المراء ؛ وإن كان محقّا ، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب ؛ وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسّن خلقه» ، خرّجه أبو داود (٣). انتهى من «الكوكب الدري» ، وقد ذكرنا هذا الحديث من غير طريق أبي داود بلفظ أوضح من هذا.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(٧٣)
وقوله سبحانه : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) : هذا أمر بالمتاركة ، وكان ذلك بحسب قلّة المسلمين يومئذ ، قال قتادة : ثم نسخ ذلك ، وما جرى مجراه بالقتال (٤) ، وقال مجاهد : الآية إنما هي للتهديد والوعيد ، فهي كقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (٥) [المدثر : ١١] ، وليس فيها نسخ ؛ لأنها متضمنة خبرا ، وهو التهديد ، (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) ، أي : خدعتهم من الغرور ، وهو الأطماع بما لا يتحصّل فاغترّوا بنعم / الله
__________________
(١) ينظر الطبري (٥ / ٢٢٥)
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢٢٦) برقم (١٣٣٩٥) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٠٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبي نعيم في «الحلية» عن أبي جعفر.
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٦٨) كتاب «الأدب» باب في حسن الخلق ، حديث (٤٨٠٠) من حديث أبي أمامة مرفوعا.
(٤) أخرجه الطبري (٥ / ٢٢٨) برقم (١٣٤٠٧ ، ١٣٤٠٨) بنحوه ، ذكره ابن عطية (٢ / ٣٠٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٩) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وأبي داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس عن قتادة بنحوه.
(٥) أخرجه الطبري (٥ / ٢٢٨) برقم (١٣٤٠٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٠٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٩) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن مجاهد بنحوه.