حَدِيثٍ غَيْرِهِ) : هذا خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنون داخلون في الخطاب معه ، هذا هو الصحيح ؛ لأنّ علّة النهي ، وهي سماع الخوض في آيات الله ، تشملهم وإيّاه ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم هو والمؤمنون أن ينابذوا الكفّار بالقيام عنهم ، إذا استهزءوا وخاضوا ؛ ليتأدّبوا بذلك ، ويدعوا الخوض والاستهزاء ، قلت : ويدلّ على دخول المؤمنين مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الخطاب ـ قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [النساء : ١٤٠]. انتهى.
والخوض : أصله في الماء ، ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل ؛ تشبيها بغمرات الماء.
(وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ) : «إما» : شرط ، وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب ، وقرأ ابن عامر (١) وحده : «ينسينّك» ـ بتشديد السين ، وفتح النون ـ ، والمعنى واحد إلا أن التشديد أكثر مبالغة ، و (الذِّكْرى) والذّكر واحد في المعنى ، ووصفهم ب (الظَّالِمِينَ) متمكّن ؛ لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه ، و (فَأَعْرِضْ) ؛ في هذه الآية : بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض ، وأكمل وجوهه ؛ ويدلّ على ذلك : (فَلا تَقْعُدْ).
وقوله سبحانه : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، وروي أنه لما نزلت : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) [النساء : ١٤٠] قال المؤمنون : إذا كنا لا نقرب المشركين ، ولا نسمع أقوالهم ، فلا يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم ، فنزلت لذلك : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ ...) الآية.
قال ع (٢) : فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرّف بين المشركين في عبادة ونحوها ، وقيل : إن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه ، وإنما معناها : لا تقعدوا معهم ، ولا تقربوهم حتّى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم ، وليس نهيكم عن القعود ؛ لأنّ عليكم شيئا من حسابهم ، وإنما هو ذكرى لكم ، ويحتمل المعنى : ولكن ذكرى لعلّهم إذا جانبتموهم ، يتقون بالإمساك عن الاستهزاء ، ويحتمل المعنى : ولكن
__________________
(١) وحجته ما جاء في البخاري : «ما لأحدهم يقول : نسيت آية كيت وكيت ، بل هو نسّي».
ينظر : «حجة القراءات» (٢٥٦) ، و «السبعة» (٢٦٠) ، و «الحجة» (٣ / ٣٢٤) ، و «إعراب القراءات» (١ / ١٦٠) ، و «معاني القراءات» (١ / ٣٦٣) ، و «العنوان» (٩١) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٢٥٩) ، و «شرح شعلة» (٣٦٤)
(٢) ينظر : «المحرر» (٢ / ٣٠٤)