وثلث ، وهذا لضيق المعيشة بالمدينة ، ورأى في غيرها أن يتوسّع ، ورأى من يقول : إنّ التوسّط إنما هو في الصّنف أن يكون الرجل المكفّر يتجنب أدنى ما يأكل الناس في البلد ، وينحطّ عن الأعلى ، ويكفّر بالوسط من ذلك ، ومذهب «المدونة» ؛ أن يراعي المكفّر عيش البلد ، وتأويل العلماء في الحانث في اليمين بالله : أنه مخيّر في الإطعام ، أو الكسوة ، أو العتق ، والعلماء على أنّ العتق أفضل ذلك ، ثم الكسوة ، ثم الإطعام ، وبدأ الله تعالى عباده بالأيسر ، فالأيسر ، قال الفخر (١) : وبدأ سبحانه بالإطعام ؛ لأنه أعمّ وجودا ، والمقصود منه التنبيه على أنه سبحانه يراعي التخفيف ، والتسهيل في التكاليف ، وثانيها : أنّ الإطعام أفضل ، قلت : وهذا هو مشهور مذهب مالك. انتهى ، ويجزىء عند مالك من الكسوة في الكفارة ما يجزىء في الصّلاة (٢).
__________________
(١) ينظر : «مفاتيح الغيب» (١٢ / ٦٤ ـ ٦٥)
(٢) النوع الثاني من الأنواع المخيّر فيها في كفارة اليمين ، هي كسوة عشرة مساكين ، وهو ما يشير إليه قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ) [المائدة : ٨٩]. اتفقت كلمة الفقهاء على أن المكفر إذا أعطى لكل مسكين من العشرة ثوبين فأكثر ، كفاه ذلك ، وسقطت عنه الكفارة.
ولكنهم اختلفوا في أقل ما يعطاه المسكين الواحد : فذهب الشافعي ـ رضي الله عنه ـ ، وجمهور أهل الظاهر : إلى أن أقل ما يعطاه المسكين الواحد هو ما يطلق عليه اسم الكسوة ، كالمنديل ، أو العمامة ، أو الإزار ، ولا يشترط أن يكون صالحا للمعطى ، بل جائز أن يعطى ما يصلح للكبير للصغير ، وما للرجل للمرأة وبالعكس ، كما لا يشترط أن يكون جديدا.
وذهب الإمام مالك ، وأصحابه إلى أن المجزئ من ذلك ثوب تصح فيه الصّلاة ، فإن كان المسكين رجلا وجب أن يعطى ثوبا يستر جميع البدن ، وإن كان امرأة وجب أن تعطى ثوبا تستر به جميع بدنها ، وخمارا تغطي به رأسها ، وفي ذلك يقول مالك في الموطأ : «أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة أنه إن كسا الرجال كساهم ثوبا ثوبا ، وإن كسا النساء كساهم ثوبين ثوبين درعا وخمارا وذلك أدنى ما يجزىء كلّا في صلاته» وليس بلازم أن يكون الثوب ، أو ما معه جديدا ، بل يكفي أن يكون صالحا للبس ؛ كما أنه ليس بلازم أن يكون المسكين كبيرا ، بل الصغير والكبير في الكسوة سواء.
وذهب أبو حنيفة ، وأبو يوسف إلى أن المجزئ من ذلك هو ما يستر البدن ، ويسمى به الشخص مكتسيا ، وذلك كالقميص ، أو الإزار السابخ ، أو القباء ، أو الكساء أو الملحفة ، وخالفهما الإمام محمّد حيث قال : يجزىء من ذلك ثوب تصح فيه الصلاة للرجل والمرأة ، فيجوز عنده السراويل للرجل ؛ لأنه يسمى لابسا شرعا ، ولا يجزىء عندهما ؛ لأن لابسه لا يسمى مكتسيا عرفا.
وذهب الإمام أحمد إلى أن المجزئ من ذلك ثوب يصح للرجل أن يصلّي فيه ، وللمرأة درع وخمار ، وقال : لا يجزىء إزار وحده أو سروال.
ينظر : «الكفارات» لشيخنا حسن علي حسن الكاشف.